في زمن الانكشاف الجوي…الجزائر الدولة العربية الوحيدة خارج مرمى قصف إسرائيل ما سر الحصانة الجوية ؟

نشرت المجلة "MILITARY WATCH" التحليلية للأمن الدولي ، مقال حول بروز اسم الجزائر كاستثناء نادر في بيئة إقليمية تتعرض فيها السيادة الجوية للعديد من الدول إلى انتهاكات متكررة، سواء من قبل إسرائيل أو قوى إقليمية وغربية أخرى.
و خصوصا بعد الضربة الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة على العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر 2025، والتي استهدفت قيادات من حركة حماس، تزايدت المخاوف من مدى هشاشة الدفاعات الجوية في العالم العربي، باستثناء الجزائر التي تبدو اليوم وكأنها "القلعة الأخيرة" التي يصعب اختراقها جواً.
و وفق مقال نشرته مجلة "Military Watch" ، فإنه في أعقاب أول ضربة جوية إسرائيلية على الإطلاق ضد قطر، تزايدت التساؤلات حول مدى قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على الوصول إلى عمق العالم العربي، خصوصا بعد الإطاحة بالحكومة السورية والذي كان يُعدّ قوة رئيسية في كبح النفوذ الإسرائيلي، وسّعت إسرائيل نطاق ضرباتها الجوية على أهداف إقليمية، حيث شنت غارات في إيران ولبنان وتونس واليمن، إلى جانب حملة مستمرة ضد قطاع غزة.
وقد أصبحت هذه الضربات ممكنة على الرغم من قدم أسطول المقاتلات الإسرائيلي، الذي يعتمد بشكل كبير على نسخ قديمة من مقاتلات F-15 وF-16، والتي تفتقر إلى رادارات المصفوفات المرحلية المتقدمة وغيرها من خصائص مقاتلات الجيل الرابع المُحسن (4+).
ومع وجود عدد محدود فقط من مقاتلات F-35s الحديثة في الخدمة، فإن قدرة إسرائيل على تنفيذ ضربات بعيدة المدى تعود أساساً إلى ضعف خصومها أكثر من قوتها العسكرية الذاتية.
أكدت المجلة ، أن المكانة الاستثنائية للجزائر في مجال الدفاع الجوي تعود إلى سياسة استراتيجية تبنتها القيادة الجزائرية منذ أكثر من عقد، بعد التدخل العسكري الغربي في ليبيا عام 2011، والذي اعتُبر نقطة تحول محورية في العقيدة الدفاعية الجزائرية.
و عليه ، فإنه منذ ذلك الحين، شرعت الجزائر في بناء شبكة دفاع جوي تُعد اليوم الأحدث والأكثر تعقيداً في المنطقة، مستعينة بموردين من خارج المنظومة الغربية، وتحديداً من روسيا والصين.
و تشمل هذه الشبكة أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز S-300PMU-2 وS-400 Triumf الروسية، بالإضافة إلى HQ-9 الصينية، والتي توفر قدرة على رصد واعتراض الأهداف الجوية على بعد مئات الكيلومترات.
كما تدعم هذه الشبكة أنظمة متوسطة المدى مثل Buk-M2، وغطاء راداري متعدد الطبقات يربط بين وحدات الرصد والاعتراض بشكل يضمن الاستجابة الفورية لأي اختراق جوي.
و لا يقتصر التفوق الجزائري على الدفاعات الأرضية فقط، بل يمتد إلى الأسطول الجوي الذي يُعد من بين الأقوى في القارة الإفريقية والعالم العربي.
و يتشكل العمود الفقري لهذا الأسطول من أكثر من 70 مقاتلة ثقيلة من طراز Su-30MKA، وهي نسخة مخصصة للجزائر مزودة بتقنيات متقدمة، إلى جانب مقاتلات Su-35 الحديثة، وMiG-29M متعددة المهام.
و هذه الطائرات قادرة على تنفيذ مهام دفاعية وهجومية متقدمة، ومزودة بأنظمة تسليح وتشويش إلكتروني تضعها في مصاف الطائرات الأكثر تطوراً في المنطقة.
و أضاف ذات المصدر ، أنه من أهم المميزات التي تملكها الجزائر في هذا السياق، مقارنة بدول عربية أخرى، تكمن في استقلاليتها العسكرية والتقنية، فبينما تعتمد معظم الجيوش العربية على معدات غربية تُشترى بنسخ "مخففة القدرات" وتخضع لقيود تشغيلية صارمة بما في ذلك التحكم في الشيفرات المصدرية لأنظمة التسلح ،إلا أن الجزائر نجحت في تجنب هذه الفخاخ عبر تنويع مصادر تسليحها، وعدم الرضوخ للضغوط السياسية الغربية.
وهذا ما يجعل الجزائر من بين الدول القليلة في المنطقة التي يُصعب اختراق مجالها الجوي دون مواجهة ردود متقدمة، بفضل بنيتها الدفاعية المتكاملة، على غرار ما شهدناه في إيران واليمن وتونس وقطر.
و ببساطة، فإن أي اختراق للمجال الجوي الجزائري سيُقابل برد فوري ، حتى بالنسبة لقوة جوية متطورة مثل إسرائيل أو تركيا.
و في المقابل، تتسم البيئة الإقليمية من حول الجزائر بانهيار شبه تام لمنظومات الردع الجوي، فمنذ تفكيك الجيش السوري في ديسمبر 2024، والذي كان يمثل أحد الأعمدة الإقليمية في الدفاع الجوي، باتت السماء مفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي دون مقاومة تُذكر.
وقد نفذت إسرائيل، في غضون أقل من عام، عمليات جوية في دول تمتد من إيران إلى تونس، دون أن تواجه رداً فعلياً.
ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها:
في ظل هذا الواقع، تبقى الجزائر الدولة الوحيدة في المنطقة التي ما تزال تتمتع بالقدرة على فرض السيادة الجوية الوطنية، وردع أي تهديدات محتملة، ومع استمرار التصعيد الإقليمي واحتمال توسع دائرة الضربات الإسرائيلية، تبرز أهمية التجربة الجزائرية كنموذج فريد في منطقة تتآكل فيها مفاهيم السيادة بشكل متسارع.
لكن هذا التفوق لا يعني أن الجزائر في مأمن من التحديات، إذ إن الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية والقدرة على الردع يتطلب استمرارية في تحديث المنظومات الدفاعية، وتطوير القدرات الإلكترونية، وتعزيز الوسائل المضادة للطائرات الشبحية.
كما تبرز الحاجة إلى بناء شراكات إقليمية قائمة على مبدأ الاستقلالية، بعيداً عن محاور التبعية السياسية أو العسكرية.
وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية قد استثمرت بشكل كبير في شراء طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي حديثة، إلا أن معايير التدريب بقيت، في الغالب، أقل من نظيرتها في الجزائر.
كما أن الضغوط السياسية من الدول الغربية ضمنت أن تظل معظم المشتريات العسكرية لهذه الدول مقتصرة على الأنظمة الغربية، والتي غالباً ما تكون بنسخ منخفضة القدرات، كما هو الحال مع أسطول مصر من مقاتلات F-16.
وليس ذلك فحسب، بل تُفرض أيضاً قيود صارمة على كيفية استخدام هذه الأنظمة، حيث تحتفظ الدول الغربية بالتحكم في الشيفرات المصدرية، مما يمنع استخدامها ضد مصالحها أو مصالح حلفائها.
و هذا الواقع يضمن حرية الحركة لتنفيذ ضربات جوية من قبل إسرائيل أو تركيا أو دول الغرب ضد دول عديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ونتيجة للاعتماد شبه الكامل على المعدات الغربية من قبل دول مثل السعودية والأردن ومصر، إلى جانب ضعف الاستثمار في قدرات الدفاع الجوي في دول أخرى كإيران، تبقى الجزائر الدولة الوحيدة في المنطقة التي يُمكن اعتبار مجالها الجوي آمناً ضد مثل هذه الهجمات.
يتوزع فريق العمل لـ Military Watch ، بين عدة دول منها الولايات المتحدة، بريطانيا، شرق أفريقيا، وكوريا الجنوبية، ويحرصون على تقديم مقالات في سياقاتها الإقليمية والعالمية.
يرأس المجلة أبراهام أيت، خريج كلية كينجز لندن والمتخصص في الشؤون العسكرية، ويقع مقر المراسلات في سيول، جمهورية كوريا.