منشورات مفبركة تحول وهمًا مأساويًا إلى ترند عالمي

خلال ساعات قليلة، اجتاحت قصة “جيسيكا رادكليف” مدربة حيتان الأوركا منصات التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى ترند عالمي أثار تعاطفًا وجدلاً واسعًا.
فقد روّجت مئات المنشورات رواية درامية عن نهايتها المأساوية بين فكي الحوت الذي ربّته لسنوات، قبل أن يتضح أن الحادثة مجرد شائعة مختلقة من صنع الخوارزميات، استغلت العاطفة الإنسانية وشغف الجمهور بالقصص المأساوية لتحقيق انتشار فيروسي.
وبحسب ما تم تداوله، فإن الحادثة وقعت حين لاحظت المدربة تغيّرًا في سلوك الحوت قبل العرض، وحاولت تحذير الإدارة التي رفضت إلغاء الفقرة، لتقع “المأساة” أمام أنظار الجمهور. وتعددت الروايات حول سبب الهجوم، بين من أرجعه إلى “غريزة الحيوان” ومن ربطه بفترة الحيض، في تفسيرات إلى أي أساس علمي أو توثيق.
وتصدّرت عناوين مثيرة مثل “الفيديو الكامل للحادث” و“لحظة موت جيسيكا” محركات البحث في عدة دول، ما دفع ملايين الفضوليين إلى البحث عن تفاصيل القصة. غير أن التحري في صحة الخبر كشف أن الرواية مختلقة بالكامل، وأن المدربة التي أثارت موجة تعاطف عالمي لا وجود لها في الواقع. فقد تم تجميع وفبركة المشاهد المتداولة من مقاطع قديمة، أبرزها حادثة حقيقية وقعت عام 2010، ليُعاد توظيفها في قالب درامي مضلل بهدف جذب التفاعل.
الفيديوهات التي رُوّج لها على أنها توثق لحظة مصرع “جيسيكا” لم تكن سوى توليفات من مقاطع متفرقة، بعضها لحيتان تقفز في الماء، وأخرى مأخوذة من وثائقيات أو حوادث سابقة، أبرزها حادثة مقتل المدربة الأمريكية الشهيرة Dawn Brancheau في حديقة SeaWorld بأورلاندو عام 2010، على يد حوت أوركا يُدعى “Tilikum”.
كشف التحقق السريع زيف الرواية، إذ لم يصدر أي تقرير رسمي أو خبر من وسيلة إعلامية موثوقة يذكر اسم “جيسيكا” أو وقوع حادث جديد في أي حديقة بحرية. ومع ذلك، وجدت القصة طريقها إلى الانتشار السريع، مدفوعة بآلية عمل خوارزميات مواقع التواصل التي تميل إلى تعزيز المحتوى العاطفي والصادم، بغض النظر عن دقته.
في هذه الحالة، لعبت الصور الحزينة، والموسيقى المؤثرة، والعناوين المبالغ فيها دورًا في خداع المستخدمين، حتى أن كثيرين بحثوا وناقشوا الحادثة وكأنها وقعت بالفعل. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات خطيرة حول الأثر النفسي للمحتوى المفبرك، خاصة على الفئات الأصغر سنًا أو الأقل وعيًا، كما تسيء للحوادث الحقيقية بتحويل المآسي إلى مواد ترفيهية رخيصة على منصات التواصل.