ينبئ تقدم القوائم الحرة المترشحة للتشريعيات المقبلة، ولأول مرة، على حساب القوائم الحزبية بتقلص رقعة الأحزاب السياسية التي سيطرت لسنوات على المشهد السياسي للبلاد لفائدة فاعلين جدد، وضع يفسره محللون بتراجع مصداقية هذه الأحزاب لدى القاعدة الشعبية.
فبإعلان تمكن الأحرار من إيداع 1220 قائمة ترشح لدى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، مقابل 1180 قائمة أودعتها أحزاب سياسية، يرتقب محللون سياسيون بروز معالم جديدة تحكم الحياة السياسية الوطنية، سيفرضها ظهور فاعلين جدد فضلوا خوض المعترك السياسي بعيدا عن الأحزاب السياسية التي "فقدت بريقها".
ومن المحتمل، حسب ذات المحللين، أن تمتد ظلال هذا التغيير لتشمل التركيبة المستقبلية للمجلس الشعبي الوطني التي لطالما سيطرت عليها الأحزاب السياسية، مقابل تمثيل ضئيل، لا يكاد يذكر أحيانا، للأحرار.
وفي تصريح له، يرى المحلل السياسي مصطفى هدام أن تقدم الأحرار في الترشح للتشريعيات 12 جوان يعود إلى "فقدان الأحزاب السياسية لمصداقيتها، خاصة منها تلك التي كانت توصف بأنها أحزاب موالاة للنظام السابق الذي أسقطه حراك 22 فبراير 2019".
فبعد هذا التاريخ، "أضحت هذه الأحزاب، في نظر القاعدة الشعبية، مرادفا للإفلاس السياسي''، يقول السيد هدام الذي أشار إلى أن النتائج التي أعلنت عنها السلطة، مع انتهاء آجال إيداع ملفات الترشح "عكست بوضوح التوجه الجديد للمواطن المهتم بالمشاركة في الحياة السياسية الذي أصبح يتفادى الظهور في إطار حزبي".
وحتى بالنسبة للأحزاب المحسوبة على المعارضة التي جنحت لعدم المشاركة في هذا الاستحقاق، يؤكد السيد هدام أنه "لوحظ مشاركة العديد من مناضليها في السباق الانتخابي المقبل ضمن قوائم حرة".
أما العامل الثاني الذي كان له وزنه في تقوية جبهة القوائم الحرة فهو دعوة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الشباب إلى المشاركة في الحياة السياسية والانخراط في مسار بناء مؤسسات جديدة، تحظى بالثقة والمصداقية.
وفي هذا الإطار، وجه تعليماته، خلال مجلس الوزراء، باتخاذ كافة الترتيبات المتعلقة بدعم وتشجيع مشاركة الشباب في تشريعيات 12 جوان المقبل، تجسيدا لانتخابات "ديمقراطية تعبر عن التغيير الحقيقي''، كما أمر بمجانية القاعات والملصقات الإشهارية وطبعها لفائدة المترشحين الشباب.
وكان الرئيس تبون أشار في وقت سابق إلى أن الانتخابات التشريعية المقبلة "نابعة من برنامج سياسي واضح''، ليؤكد تقديم كل التسهيلات والضمانات التي تسمح للشباب بالدخول في هذا الاستحقاق.
وفي تحليله، يرى السيد هدام أيضا بأن هذا الوضع لا يمكن فصله عن ظاهرة سياسية عالمية، لا تخص الجزائر فقط أو البلدان التي تحاول قدر المستطاع تكريس نظام ديمقراطي، تتمثل في تحاشي المهتمين بالسياسة ممارستها في إطار الأحزاب السياسية و تفضيلهم خوض هذا المعترك بصورة مستقلة.
وهذا ما يمكن تفسيره -حسبه- بتراجع الانخراط في الأحزاب السياسية، وفقا للإيديولوجيات التي تنتمي إليها، فـ ''هذا النوع من الانتماءات السياسية هو في طريقه إلى الزوال"، يقول المتحدث.
أما المحلل السياسي ابراهيم زيتوني فيرى في التقدم الذي أحرزته القوائم الحرة على حساب أحزاب "تقليدية"، لها تجارب متفاوتة في الاستحقاقات السياسية التي كانت قد نظمتها الجزائر، نتيجة "طبيعية" لما أسماه بـ"انفجار الأحزاب السياسية، بعد اضمحلالها، سابقا، في نظام سياسي أصبح يقترن لدى العامة بالفساد".
فقد أدى الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 فبراير 2019، إلى تغير المعطيات المسيرة للحياة السياسية الوطنية و"فقدان الفاعلين السابقين لمصداقيتهم"، الأمر الذي فرض بداية حدوث تحور في العملية السياسية برمتها، أولى صورها بروز فاعلين جدد يفضلون المشاركة في الميدان السياسي تحت لواء قوائم حرة، بعيدا عن الأحزاب السياسية.
للتذكير، بلغ عدد القوائم التي أودعت ملفات ترشحها للانتخابات التشريعية المقبلة، بعد تمديد آجال الإيداع بخمسة أيام، 2400 قائمة، منها 1180 قائمة حزبية و 1220 قائمة حرة، و هو ما يشكل فارقا بـ 40 قائمة.
وعموما، بلغ عدد المترشحين لخوض سباق التشريعيات من أجل الظفر بمقعد بالمجلس الشعبي الوطني "24.214 مترشحا".