هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان دائما: كيف يبدو مستقبل الطاقة النظيفة؟ بالنسبة لمعظم الناس، تستحضر الفكرة صور حقول توربينات الرياح ومزارع الألواح الشمسية الضخمة. لكن رغم أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية أشكال ممتازة وفعالة بشكل متزايد وأسعار معقولة لإنتاج الطاقة النظيفة، إلا أن لها محددات. المحدد الأول والأكثر شيوعا للرياح والطاقة الشمسية هو أن هذه الأشكال من إنتاج الطاقة متغيرة، وهذا يعني أنها لا تستطيع إنتاج كميات متناسقة من الطاقة طوال الوقت. حيث يعتمد كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية على أنماط الطقس التي حتى الآن لم يجد العالم طريقة للتحكم فيها. وهذا يعني أنه على عكس الوقود الأحفوري التقليدي، إن تدفق الطاقة إلى الشبكة من الرياح والطاقة الشمسية يتوقف ويبدأ بشكل لا يمكن التنبؤ به دائما. لكن، العالم يحتاج إلى الطاقة بشكل مستمر نوعا ما، بغض النظر عما إذا كانت الشمس مشرقة أو الرياح تهب.
حيث هناك عديد من أشكال تخزين الطاقة وحلول الشبكة الذكية التي تحافظ على تدفق منتظم للطاقة الخضراء إلى الشبكة. هذه التقنيات في تطور مستمر طوال الوقت، ولا سيما مع بدء تدفق التمويل إلى قطاع تخزين الطاقة، حيث أصبح من الواضح أنه سيكون دعامة أساسية للاقتصاد الأخضر.
لكن حتى مع نظام تخزين الطاقة الموثوق به والفعال من حيث التكلفة، لا يمكن لطاقة الرياح والطاقة الشمسية أن تحل تماما محل إمكانات ومزايا حرق الوقود الأحفوري. لسبب واحد، لا يمكن للأفران الكهربائية التسخين بدرجة كافية لتحل محل الوقود الأحفوري في العمليات الصناعية مثل صناعة الفولاذ والأسمنت. فهل هذا يعني أننا سنضطر إلى الاعتماد على الفحم إلى الأبد؟ لحسن الحظ، هناك حل آخر.
الهيدروجين على عكس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، قابل للاحتراق، ويحترق في درجات حرارة عالية دون أن يخلف وراءه أي غازات دفيئة - فقط بخار الماء. في هذا الصدد، ذكرت "بلومبيرج" في تقرير حديث بعنوان "لماذا الهيدروجين هو أهم شيء في الطاقة الخضراء؟": إن استبدال الوقود الأحفوري المستخدم الآن في الأفران التي تصل حرارتها إلى 1500 درجة مئوية (2732 درجة فهرنهايت) بغاز الهيدروجين يمكن أن يحدث انخفاضا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية التي تأتي الآن من الصناعة التي تقدر حاليا بنحو 20 في المائة.
إن خفض انبعاثات صناعة الصلب ليس الدافع الوحيد للهيدروجين. حيث يمكن للهيدروجين أيضا تخزين الطاقة ويمكن أن يكون جزءا لا يتجزأ من صناعة تخزين الطاقة في المستقبل، ما يسمح بتوسيع نطاق طاقة الرياح والطاقة الشمسية دون الاعتماد على بطاريات أيون الليثيوم، التي تعتمد على معادن نادرة محدودة في الطبيعة. وبذلك، يعد الهيدروجين حقا مصدرا متجددا وخيارا لتخزين الطاقة الخضراء.
هناك بالفعل كثير من الصناعات التي تعتمد على حرق الهيدروجين وفعلت ذلك لأعوام، لكن هذا لا يجعلها نظيفة، لأن الهيدروجين يعد أخضر فقط إذا كانت الطاقة المستخدمة في صنعه خضراء. ينتج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة النظيفة، بينما يتم إنتاج الهيدروجين الرمادي باستخدام الوقود الأحفوري. يميز البعض أيضا الهيدروجين الأزرق الذي ينتج من الغاز الطبيعي الأكثر ملاءمة للانبعاثات. لذا رغم أنه ليس جميع أنواع الهيدروجين صديقة للبيئة، إلا أن الهيدروجين الأخضر، الذي يكون تقريبا خاليا من الانبعاثات، يمكن أن يشكل جزءا كبيرا من مستقبل أنظف وأكثر اخضرارا للطاقة.
لكن، تلبية الخطط الطموحة الموضوعة للهيدروجين الأخضر تعني بناء صناعة عملاقة من الصفر تقريبا. وهنا تكمن المشكلة. رغم جميع مزايا الهيدروجين الأخضر، لا يزال مجرد صناعة ناشئة ذات تكاليف إنتاج عالية وحواجز كبيرة أمام التوسع. كي يصبح قادرا على المنافسة مع الهيدروجين الأزرق والرمادي، سيحتاج الهيدروجين الأخضر إلى تحقيق تكلفة إنتاج تقل عن دولار واحد لكل كيلوجرام. في الوقت الحالي، يتكلف ما بين 2.50 و4.50 دولار للكيلوجرام، وهذا يعني أنه ليس قريبا.
في هذا الصدد، تتوقع "بلومبيرج" أن هذا النوع من خفض التكاليف يمكن تحقيقه بحلول عام 2030، لكن هذا هو الحال فقط في سيناريو تتم فيه زيادة إنتاج الكهرباء وقدرة محطات التحليل الكهربائي بشكل كبير، في وقت تحاول محطات التوليد والشبكات في العالم جاهدة مواكبة الطلب المتزايد من كهربة قطاع النقل. وكما أفاد عديد من المحللين بالفعل: إن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى تحديث شبكة الطاقة الخاصة بها لعدد من الأسباب، والهيدروجين الأخضر هو مجرد عنصر آخر يجب إضافته إلى القائمة.
الخبر السار هو أن هناك بالفعل كثيرا من الجهات الفاعلة ذات التفكير المستقبلي في كل من القطاعين العام والخاص الذين يقودون التوجه نحو الهيدروجين ويضعون الأساس لتوسيع نطاقه على مدى العقد المقبل. أحدثها، وربما أهمها، يأتي من أكبر شركة نفط في العالم: أرامكو السعودية. في الأسابيع الأخيرة ضاعفت أرامكو جهودها على الهيدروجين الأزرق، في وقت ابتعد المستثمرون عن شركات النفط الكبرى مع تحول العالم بعيدا عن أشكال الطاقة التقليدية. وينتج النوع الأزرق من الهيدروجين باستخدام الغاز الطبيعي، حيث يتم التقاط انبعاثات الكربون الناتجة عن عملية التحويل. كما تدرس أرامكو أوجه التآزر بين نوعي الهيدروجين الأزرق والاخضر، حسب رئيس قسم التكنولوجيا في الشركة. إن رغبة أرامكو في مواءمة نفسها مع الهيدروجين بأي شكل من الأشكال هي أخبار كبيرة ومثيرة لهذه الصناعة الناشئة. عندما تقول شركة عملاقة وذات إمكانات مادية كبيرة مثل أرامكو: إنها ترى فرصة كبيرة في سوق الهيدروجين، يستمع العالم إليها. وكانت مدينة نيوم قد أعلنت في تموز (يوليو) 2020 شراكة مع "أكوا باور" و"أير برودكتس" لإنتاج الهيدروجين الأخضر، باستثمار خمسة مليارات دولار، ومن المتوقع أن تنتج 1.2 مليون طن متري سنويا من الأمونيا بحلول عام 2025. وفي أوروبا، جعل الاتحاد الأوروبي الهيدروجين الأخضر جزءا أساسيا من صفقته الخضراء ويخطط لبناء ما يكفي من محطات التحليل الكهربائي لتحويل 40 جيجاواط من الكهرباء المتجددة إلى هيدروجين بحلول عام 2030. كما وضعت أستراليا خططا طموحة للعمل على الهيدروجين الأخضر في اقتصادها، ويقوم أيضا عديد من شركات الطاقة باعتماد هذا التوجه. وفي اليابان، تم إنشاء وحدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة فوكوشيما.
يكاد يكون من المؤكد أنها مسألة متى، وليس ما إذا، سيتم تشغيل الهيدروجين الأخضر، ويبدو أن اللاعبين الرئيسين يدركون أنه كلما حدث ذلك مبكرا، كان ذلك أفضل لتحول الطاقة.