وتهيمن المرأة بكل حضورها الاجتماعي والروحي على أعمال بوردين, صاحب ال76 عاما, والذي يعد من رواد الفن التشكيلي الجزائري المعاصر, بما يقدمه من عناصر تقنية وفنية عالية تبرز مكانة وحضور المرأة ومساهمتها في حماية التراث والثقافة بجمالية وحساسية مفعمة حيث يتيح لزوار المعرض الذي يحمل عنوان "أعمال جديدة" فرصة الولوج إلى عوالم المرأة الساحرة ليأخذنا من خلال لوحاته البديعة التي تعج بالحياة والألوان ووشوشات النساء إلى رحلة حنين ولحظات جميلة للمرأة في المجتمع الجزائري.
كما تنبعث من الأعمال المعروضة للفنان, الذي يشكل موضوع المرأة شغله الشاغل, رائحة الأمومة وذكريات الجدات في مختلف المناسبات حيث يرصد بوردين بدقة حركة عيون المرأة ونظرتها المتعبة والحزينة أو تلك التي تشع بالضياء والحب, كما يجسد عبر ريشته ومن خلال الألوان الهادئة حركات أجساد النساء وهن في فضاءات عائلية يرتدين أبهى الأزياء التقليدية والحلي التي تعكس الموروث الثقافي الجزائري إذ استطاع الفنان بحسه الفني الراقي أن يعيد تشكيل شاعرية تلك الأجواء الأصيلة في أشكال فنية دقيقة وألوان زاهية تعج بالحياة وتكاد تتحرك على سطح اللوحة.
ومنحت ريشة بوردين للوحاته بعدا جماليا آسرا مألوفا لحضور المرأة يسمو الى كل ما تبذله من جهود من أجل إسعاد عائلتها ومحيطها وتميز إنجازه الفني بالكثير من الحساسية والعطف الذي يرصد طبيعة يوميات المرأة في محيطها الواسع وأيضا العائلي من خلال مشاركتها في المناسبات من أعراس وزيارات وأحاديث ووشوشات في جلسات نسائية.
ويظهر ذلك جليا من خلال لوحات وبورتريهات على غرار "نظرة" و"الطفل المريض" و"طفل وأم" و"العودة" و"زيارة1 و 2" و"وحيدة" و"تام 1 و2 ", وهي بورتريهات تبرز جمال المرأة وعنفوانها ومختلف حالاتها النفسية.
ويلاحظ الزائر في إحدى اللوحات المحورية لهذا المعرض تجربة أخرى مغايرة ضمن هذه المجموعة للفنان بوردين الذي اعتمد على تقنيات وروح المدرسة التجريدية حيث تبدو ملامح الشخوص فيها غير واضحة المعالم وبالألوان الداكنة ورمادية غالبا ما يحيل إلى أجواء نفسية مغايرة للمجموعة الجديدة التي تغلب عليها الألوان الوردية والزرقاء والخضراء والبنفسجية الهادئة والمتدرجة والتي تشع بالحياة.
لقد جسد الفنان في مجموعته الجديدة هذه, المتكونة من 28 لوحة, عملا مميزا ضمنه لمسته الساحرة الخاصة بتقنيته الدقيقة ونجح في رصد المرأة وإشراقتها وبإضفاء شعلة من الالوان الهادئة على تلك الوجوه النسوية التي أبدعها, وحاول من خلال الرسم والبحث والدراسة ان يفكك اسرار تلك الوجوه المضيئة والازياء والأوشام التي تحدت الزمن وبقيت شامخة.
وزاد تنوع الالوان والاضاءة من جمال وسحر اللوحات المعروضة بأناقة والتي تؤكد قدرة الفنان على ترك بصمته المميزة على اعماله بفضل اتقانه ومزجه للعديد من التقنيات وتجسيدها على ابداعاته.
وأشارت بالمناسبة المسؤولة على رواق " الطاووس", آمال ميهوب, في تصريح لواج أن "الأعمال المعروضة تمثل أحدث إبداعات" بوردين الذي يعد "من رواد الفن الجزائري الحديث وصاحب بصمة فنية قيمة حيث طالما تشكل المرأة محور أعماله التي ينجزها بتقنية الباستيل وبحساسية عالية مرهفة وأراد من خلالها تكريم المرأة الجزائرية ونضالها من أجل الحفاظ على تراثها الثقافي".
موسى بوردين, فنان تشكيلي من مواليد 1946 بالعاصمة, درس في الستينيات بجمعية الفنون الجميلة ليشارك بعدها في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية داخل وخارج الجزائر, كما أنجز سنة 1984 وتحت إشراف التشكيلي الراحل امحمد اسياخم مجموعة بورتيرهات لشهداء الثورة التحريرية تعرض على مستوى متحف المركزي للجيش وأعماله فنية أخرى تعرض بدورها بالمتحف الوطني للفنون الجميلة.
و أ ج