"بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، تتوالى أيام الجزائر الخالدة لتعمق في كل ذكرى من ذكرياتنا المجيدة مشاعر الاعتزاز في وجدان الأمة وتعيد إلى الأذهان نضالات الأجيال وكفاح الشعب الذي ارتفع به تمسكه بقيم الحرية والكرامة ليغدو نموذجا يذكره التاريخ عندما يتعلق الأمر بمناهضة الظلم الاستعماري وخوض تحديات وأهوال الانعتاق من براثنه. وما الذكرى الثانية والستون (62) لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 إلا أسطرا مما يذكره التاريخ للأمة، تشهد على هبة وطنية عارمة ستبقى في الذاكرة الجماعية يوما تاريخيا محفوظا في سجل الجزائر من المقاومات الشعبية إلى النضال السياسي في مراحل الحركة الوطنية إلى الكفاح المسلح.
لقد وسع ذلك اليوم ( 11 ديسمبر 1960) تدويل القضية الجزائرية ودفع بها إلى أروقة الأمم المتحدة، حيث كان لتلك الصرخات في وجه الاستعمار الآثم في العديد من المدن عبر الوطن، وقع فاصل في الداخل والخارج عزز المساعي الدبلوماسية والإعلامية للحكومة المؤقتة آنذاك وأذن بنصر وشيك لا ريب فيه.
إن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي ستتلوها مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس وعيد النصر في 19 من مارس 1962 ثم عيد الاستقلال في 05 جويلية 1962، أكدت للرأي العام العالمي أن الثورة المباركة التي يخوضها جيش التحرير الباسل تحت لواء جبهة التحرير الوطني، ويدفع في خضمها بقوافل الشهداء، لن يقف في طريقها غلاة العسكريين الذين انهارت خططهم الحربية وجهابذة الدعايات الكاذبة التي سقطت أمام عدالة ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة.
وإنه ليحق لنا، ونحن نحتفي بأمجاد الجزائر وبطولات الأسلاف في كل الحقب، أن نرفع الهامات عاليا، بل إن الواجب الوطني يدعونا - على الدوام - إلى إحاطة تاريخنا الوطني بسياج الحفظ وإلى تقوية جبهة الدفاع عن الذاكرة الوطنية أمام الداعين إلى إبقاء الملف تحت عتمة الرفوف المنسية.
وفي هذا السياق، لا يكفي الخطاب المشحون بالنبرات الوطنية، بل لابد من امتلاك الإرادة والشجاعة لانتزاع حق الشعب الجزائري غير القابل للتقادم والذي لا مساومة فيه ولا تنازل عنه.
وعليه، فإن المسار الذي نمضي فيه بصدق وحزم استوجب استحداث آلية تم تأسيسها في إطار مشاورات سياسية على أعلى مستوى، وتتمثل في إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، يوكل إليها التعاطي مع ملف التاريخ والذاكرة بما يتيحه لها التخصص في البحث التاريخي والتمرس في التمحيص والدقة في التحري لإجلاء الحقيقة.
وإننا ونحن نحيي هذه الذكرى التاريخية، عشية مرور ثلاث سنوات على الانتخابات الرئاسية التي منحتموني فيها ثقتكم الغالية، أجدد التزامي الكامل بأن يظل حرصي على التاريخ والذاكرة من بين أهم الأولويات. فالجزائر الجديدة التي نتطلع إليها جميعا هي تلك التي تجعل من أيامها الخالدة منارات تضيء الطريق الصحيح الذي رسمه وسار عليه الشهداء الأبرار والمجاهدون الميامين، وهو الطريق الذي سلكناه بخطوات متتالية، حققنا بها بناء المؤسسات وإرساء دولة الحق والقانون وتوفرت بها شروط الإنعاش الاقتصادي والتنمية الاجتماعية من خلال استراتيجيات وبرامج يجري تنفيذها في كل أنحاء البلاد بصرامة ونسهر على المتابعة المستمرة لها، وفاء لما تعهدنا به أمام الشعب الجزائري الأبي.
تحيا الجزائر
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".
و أ ج