في زمن العولمة الذي يشهد تغييرات ثقافية وتكنولوجية متسارعة، لا تزال اللغة العربية تواجه العديد من التحديات. وللتعرف على هذه التحديات من منظور أكاديمي وصحفي، كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والصحفي كريم جدي، الذي يعكف على دراسة القضايا التي تهم العقل العربي والإسلامي. في هذا الحوار، يناقش جدي دور اللغة العربية في الحفاظ على الهوية الثقافية في مواجهة العولمة، والتحديات التي تواجهها في عصر التكنولوجيا ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى مقترحاته لتعزيز مكانتها في التعليم والإعلام.
وقد طرحت عليه مجموعة من الأسئلة التي تهم مستقبل اللغة العربية، خاصة في مجالات التعليم والإعلام، وسبل تعزيز مكانتها في عالم سريع التغير.
يقول كريم جدي: "اللغة العربية، على حد تعبير المشتغلين في حقل اللسانيات الحديثة والمعاصرة، هي كائن حي تتأثر بما حولها وتمارس تأثيرًا في كل السياقات التاريخية والسوسيوثقافية. وبالتالي فهي ركيزة أساسية في مكونات الهوية. لكن العولمة المادية قد تُخلُّ بدور اللغة وتؤدي إلى تراجعها، خصوصًا أنها نتاج التغلغل المادي الذي يُذيب كل ما هو صلب كما عبر عنه المفكر زيجمونت باومان. لكن في المقابل، تأتي اللغة كأداة تصدي لهذا الغزو العالمي، وتُحافظ على القيم الثابتة للهوية، كونها واجهة تعريفية للشعور والثقافات".
يضيف جدي: "أبرز التحديات التي تواجهها اللغة العربية في عصر التكنولوجيا تكمن في تحديث أدواتها وتجديد آلياتها لتواكب متطلبات العصر. فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكانًا للخلط بين العامية والفصحى، مما يؤدي إلى تداخل لغوي يُضعف من قدرة اللغة العربية على التعبير بفعالية. وفي هذا السياق، يجب إنشاء نظام معرفي جديد يمارس وصاية على هذا التداخل اللغوي، مع تفعيل دور المؤسسات الثقافية الحكومية لضمان تعزيز مكانة اللغة العربية والابتعاد عن الهجنة اللغوية".
ينبّه جدي إلى أن "أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها هي أن تتولى مؤسسات الدولة حملات تحسيسية تُبرز مدى أهمية اللغة العربية. القرار هنا سياسي قبل أن يكون ثقافي. كما يجب إنشاء مجمعات لغوية ومراكز بحثية متطورة لإنتاج معاجم جديدة تتماشى مع روح العصر. كذلك، من الضروري وضع قوانين صارمة في المؤسسات الإعلامية لضمان استخدام اللغة العربية الفصحى بدلاً من العامية. لا بد من تفعيل دور المكتبات العمومية وتنظيم أنشطة ثقافية دورية حول هذا الموضوع. وأخيرًا، تخصيص برامج تلفزيونية تعزز هذه الظاهرة وتُبرز أهميتها لدى الشعوب والأمم".
يشير جدي إلى أن "الجيل الجديد يمكنه المساهمة بشكل فعّال في تطوير اللغة العربية من خلال المشاركة في دورات تعليمية يشرف عليها متخصصون في هذا المجال، بالإضافة إلى القيام بنشاطات ثقافية مستمرة تضمن تلقين المكون الحضاري العربي والإسلامي لجميع الفئات. يجب أن تكون هذه الأنشطة جزءًا من الحياة اليومية وليس مجرد مناسبات ظرفية".
وفي ختام هذا الحوار، يمكننا أن نرى بأن الاهتمام بالثقافة واللغة العربية ليس مجرد مسألة ثقافية فحسب، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحديات حقيقية في ميادين متعددة. كما هو الحال في قطاع التعليم في الجزائر، الذي يعاني من العديد من المشكلات الهيكلية والتنظيمية. حيث أشار تقرير مجلس المحاسبة الأخير، الصادر في 15 ديسمبر 2024، إلى تراجع التحصيل الدراسي بسبب سوء إدارة الموارد والهيكلة التعليمية. هذه التحديات، التي تشمل نقص التجهيزات والفوارق بين المناطق الحضرية والريفية، تضع ضغوطًا إضافية على اللغة العربية في التعليم.
ورغم أن الحكومة الجزائرية قد خصصت ميزانيات ضخمة لتحسين قطاع التربية، إلا أن النتائج لم تكن مرضية. وهذا يبرز الحاجة إلى إصلاحات شاملة تبدأ بتحسين المناهج الدراسية وتوفير الموارد اللازمة للمؤسسات التعليمية.
وفي هذا السياق، تبقى اللغة العربية عنصراً أساسياً في أي استراتيجية تعليمية تهدف إلى تحقيق العدالة والنجاح على الصعيدين الوطني والدولي.