الصحة النفسية للأمهات : بين التحديات الاجتماعية والحلول الممكنة. حِوار مع الدكتورة سارة مسعودان

تعتبر الصحة النفسية للأمهات في الجزائر من المواضيع الحساسة والمهمة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي رغم تأثيراتها الكبيرة على الأسرة و المجتمع ككل. فالمرأة الجزائرية، التي تتحمل عبء التربية والعمل الاجتماعي والعائلي، تواجه تحديات نفسية متعددة تؤثر على رفاهها النفسي والعاطفي. هذا المقال يستعرض أبرز هذه التحديات ويوفر حلولًا عملية يمكن أن تساهم في تحسين الصحة النفسية للأمهات.
تتمثل أبرز مصادر التوتر لدى الأمهات الجزائريات في الضغط الدراسي الذي يعاني منه الأطفال، بالإضافة إلى النزاعات الأسرية المستمرة. كما أكدت سارة مسعودان، أخصائية نفسية ذات خبرة 8 سنوات، أن الأم الجزائرية تعيش توترًا مزدوجًا: الأول مرتبط بمسؤولية التأثير في نتائج الأبناء الدراسية، والثاني ينجم عن الخلافات العائلية المتكررة. تقول مسعودان: "الكثير من الأمهات يعانين من ضغوط نفسية كبيرة بسبب التوقعات العالية لنجاح الأطفال في دراستهم، خاصة في مجتمع يشدد على التفوق الأكاديمي".
إلى جانب ذلك، يُشكل الضغط النفسي الناتج عن النزاعات مع الزوج أو أفراد العائلة عبئًا إضافيًا، مما ينعكس على القدرة على إدارة الحياة اليومية والتعامل مع الأطفال. الدراسات النفسية العالمية تشير إلى أن هذا النوع من التوتر العائلي قد يؤدي إلى زيادة معدلات القلق والاكتئاب لدى الأمهات.
يشير مفهوم "العبء الذهني" إلى العبء النفسي غير المرئي الذي يتحمله الشخص نتيجة لتعدد المهام اليومية. وهذا العبء، الذي غالبًا ما تتحمله الأمهات، يؤدي إلى إرهاق عقلي وجسدي مستمر. تقول مسعودان: "الأم تجد نفسها في دوامة من المهام اليومية، مثل الاعتناء بالمنزل، العناية بالأطفال، وتلبية احتياجات الزوج والعمل خارج المنزل. كل هذه الضغوطات تؤدي إلى تدهور في صحتها النفسية، مما ينعكس على قدرتها على العيش بشكل متوازن".
من جهة أخرى، تشير الدراسات إلى أن العبء الذهني لدى الأمهات قد يسبب تراجعًا في نوعية الحياة، ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق. في الجزائر، حيث تتعدد أدوار المرأة وتوقعاتها الاجتماعية، يصبح من الضروري الاعتراف بهذا العبء النفسي وتقديم الدعم الكافي للأمهات خاصة من عند الزوج.
هناك عامل آخر مهم، و هو دور التربية التقليدية التي تلعب دورًا مهمًا في تشكيل مواقف الأمهات وطرق تعاملهن مع ضغوطات الحياة. تقول مسعودان: "الكثير من الأمهات الجزائريات نشأن في بيئات تقليدية حيث كان يُتوقع منهن القيام بدور مركزي في العائلة. لذا، يميلن إلى تربية أطفالهن بنفس الطريقة التي تربين بها، مما يسبب تباينًا في التوقعات والممارسات".
تعتبر هذه الخلفية الثقافية من الأسباب التي قد تجعل العديد من الأمهات يواجهن صعوبة في طلب المساعدة النفسية، وذلك بسبب الاعتقادات المجتمعية التي تراه أمرًا غير مقبول أو مرفوض. بناءً على دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية، يتضح أن أكثر من 60% من النساء لا يطلبن مساعدة نفسية بسبب العوامل الثقافية والاجتماعية التي تترسخ في المجتمع.
تعتبر علامات الإرهاق الوالدي أو الاحتراق النفسي من الأمور التي يجب على الأمهات التعرف عليها مبكرًا لتجنب مضاعفاتها. وفقًا لما ذكرته مسعودان، من أبرز هذه العلامات هي التعب المستمر، سواء النفسي أو الجسدي، وتكرار الروتين اليومي دون وجود مساحة للراحة. "عندما تصبح الأم عاجزة عن التمتع بوقت خاص لنفسها أو تشعر بأنها غير قادرة على القيام بمهامها اليومية، فهذا يعني أنها قد تكون على وشك الإصابة بالإرهاق النفسي".
إن تجاهل هذه العلامات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية طويلة الأمد، مثل الاكتئاب المزمن أو مشاكل نفسية أخرى قد تؤثر على تربية الأطفال والعلاقات الأسرية بشكل عام.
هذه الوسائل يمكن أن تكون مفيدة في بعض الأحيان لبناء شبكات دعم عبر الإنترنت، مما يسمح للأمهات بالتواصل ومشاركة تجاربهن. لكن، في الجهة المقابلة، أكدت الأخصائية أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تصبح مصدرًا للإجهاد النفسي بسبب المقارنات الاجتماعية المستمرة والشعور بالعزلة. إدمان وسائل التواصل الاجتماعي بات ظاهرة شائعة في الجزائر، حيث يقضي العديد من الأمهات وقتًا طويلاً في متابعة حياة الآخرين، مما يساهم في زيادة مشاعر العزلة والاكتئاب.
إن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل يمكن أن يؤدي إلى ضغوطات اجتماعية إضافية، خاصة في المجتمعات التي تضع معايير عالية حول ما يجب أن تكون عليه الأم المثالية، مما يزيد من الأعباء النفسية على الأمهات.
في مواجهة هذه التحديات الكبيرة التي تواجه الأمهات، تقدّم سارة مسعودان، الأخصائية النفسية، مجموعة من الحلول العملية التي يمكن أن تكون مفيدة في تحسين الصحة النفسية للأمهات.
أولاً، تبرز مسعودان أهمية التدريبات على الاسترخاء والتفريغ الانفعالي. هذه التقنيات تشمل تمارين التنفس العميق والتأمل، والتي تساعد على تقليل مستويات التوتر النفسي وزيادة الشعور بالهدوء الداخلي. "هذه التمارين يمكن أن تكون فعالة جدًا في تقليل القلق الذي تواجهه الأمهات نتيجة لضغوط الحياة اليومية"، تقول مسعودان.
إضافة إلى ذلك، تشير إلى أهمية تغيير الروتين اليومي بين فترة وأخرى. الروتين الممل والمتكرر قد يساهم في زيادة مستويات التوتر والإرهاق، لذا يُنصح بتخصيص وقت لممارسة أنشطة ترفيهية أو ممارسات هادئة. الأنشطة مثل القراءة أو الرياضة، و حتى المشي، لها تأثير إيجابي على الصحة النفسية، حيث تساهم في رفع المعنويات وتحفيز الجسم والعقل على التجدد.
أما بالنسبة للجانب العاطفي، فتؤكد مسعودان أن من الضروري أن تجد الأم وقتًا لنفسها بعيدًا عن المسؤوليات اليومية. "حتى وإن كانت هذه الدقائق قليلة، فإنها تُعد بمثابة استراحة للعقل والجسد، وهو ما يمكن أن يُحسن بشكل كبير من رفاهيتها النفسية"، تضيف الأخصائية النفسية.
كما توصي مسعودان الأمهات بمحاولة بناء شبكة دعم اجتماعي قوية تشمل العائلة والأصدقاء، والتحدث عن مشاعرهن بحرية دون خوف من الحكم عليهن. "التعبير عن النفس يعتبر خطوة هامة نحو معالجة الضغوط النفسية" تقول مسعودان، مشيرة إلى أهمية الدعم المعنوي في التخفيف من أعباء الحياة اليومية.
في النهاية، تؤكد مسعودان على ضرورة أن تضع الأمهات صحتهن النفسية في أولوياتهن، وأن يتقبلن فكرة أن العناية بالنفس ليست رفاهية، بل ضرورة لحياة متوازنة وصحية.
في الختام، تُعدّ الصحة النفسية للأمهات في الجزائر من القضايا الحيوية التي تستحق اهتمامًا بالغًا، وذلك في ظل الأعباء الاجتماعية والنفسية التي تتحملها الأمهات يوميًا. إن الظروف الاجتماعية المعقدة، مثل التوقعات العالية من المجتمع حول دور الأم المثالية، وضغوط الحياة اليومية، تسهم في زيادة مستويات التوتر والقلق لدى الأمهات، مما يؤثر بشكل سلبي على صحتهن النفسية وعلى رفاهية أسرهن بشكل عام.
إن تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية للأمهات وتوفير الأدوات اللازمة لمساعدتهن على مواجهة هذه الضغوطات يعد أمرًا أساسيًا لتحسين نوعية حياتهن وحياة أطفالهن. من خلال توفير برامج التوعية والاستشارات النفسية، يمكن تمكين الأمهات من التعرف على طرق فعّالة لتخفيف التوتر والضغط النفسي. علاوة على ذلك، يتطلب الوضع توفير الدعم النفسي المناسب في المناطق النائية التي قد تفتقر إلى الخدمات الصحية الكافية.