مؤخراً، أحدث قرار منع المدارس الخاصة من تقديم الدروس الخصوصية موجة من التساؤلات والقلق، خصوصًا اننا في بداية الفصل الثاني. هذا القرار لم يقتصر على إثارته الجدل بين العائلات، بل شكل أيضًا نقطة توتر بين أولياء الأمور والوزارة المعنية، و الذين يعتبرون أن هذا الإجراء قد يؤثر سلبًا على تحصيل أبنائهم الدراسي.
العديد من أولياء الأمور اضطروا في السنوات الأخيرة إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية بشكل مكثف، خصوصًا في ظل النقص الحاد في المدارس التي تقدم الدعم الكافي للتلاميذ. مصطفى، وهو والد لتلميذ في السنة الرابعة متوسط، قال: "الآن، نحن مجبرون بالحصص الفردية مع دفع 2500 دينار للساعة، في ظل غياب بدائل أخرى. ابني يواجه تحديًا كبيرًا في التحضير لامتحانات الـBEM، ولا يمكنني المخاطرة بمستواه". في الوقت الذي يعبر فيه العديد من الأهالي عن قلقهم من التأثير السلبي لهذا القرار على مستوى أبنائهم الدراسي، هناك أيضًا تساؤلات حول آلية تنفيذ هذا المنع وتأثيراته على فئات اجتماعية معينة.
في السياق ذاته، قال وزير التربية الوطنية، محمد الصغير سعداوي، في تصريحات سابقة إن الوزارة تعمل على القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية غير القانونية. وقد أشار الوزير إلى أن الوزارة بصدد فتح مدارسها في ساعات المساء والعطلات الأسبوعية لتقديم حصص دعم تحت إشراف معلمين مؤهلين، مشدداً على ضرورة تحسين جودة التعليم في المؤسسات الرسمية.
في الوقت الذي يدافع فيه البعض عن الدروس الخصوصية باعتبارها ضرورة تكميلية للتعليم الرسمي، إلا أن ظهور "السوق السوداء" قد جعل هذا القطاع ميدانًا للفوضى. فقد ارتفعت أسعار هذه الدروس بشكل كبير، حيث تراوحت ماببن 1000 و 1500 دج للمادة الواحدة بالنسبة لأصحاب الشهادات التعليمية، مما جعلها حكراً على العائلات ذات الدخل المرتفع. بعض الأساتذة المتخصصين في تقديم الدروس الخصوصية أكدوا أن غياب الرقابة والوعي من قبل التلاميذ وأولياء الأمور أدى إلى انتشار هذا النشاط بشكل غير منظم، حيث يتم تقديم الدروس في المنازل أو حتى عبر منصات إلكترونية دون إشراف أو تأهيل مناسب.
في هذا الصدد، يرى المتخصصين في التعليم أن المشكلة الأساسية ليست في وجود الدروس الخصوصية بل في غياب الرقابة. و بأن المشكلة تكمن في الأشخاص الغير مؤهلين الذين يقدمون الدروس، مما يعرض التلاميذ لمخاطر التعليم غير الفعال.
من جانب آخر، شدد الأمين العام لنقابة "ساتاف"، بوعلام عمورة، على أن الحل ليس في حظر الدروس الخصوصية بشكل كامل، بل في تقنين هذه الظاهرة. وأوضح في تصريح له لـ"الشروق": "إيقاف الدروس الخصوصية في المراكز لن يؤدي إلى القضاء عليها، بل سيدفع البعض إلى تقديمها في المنازل بطريقة غير قانونية. الحل هو في تنظيم هذا النشاط بعناية وفرض ضرائب عليه كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى.
في ولاية عنابة، أعلنت العديد من المدارس الخاصة وأكاديميات اللغات عن التوقف عن تقديم الدروس الخصوصية لمختلف الأطوار التعليمية، كما قرر الأساتذة التوقف عن التدريس وإعطاء الدروس الخصوصية لتلاميذهم. ووضعت هذه المؤسسات إعلانات على صفحاتها الرسمية تُعلن عن التوقف عن الدراسة، وبدأت في إرجاع المبالغ المالية لأولياء التلاميذ الذين سجلوا أطفالهم للحصول على دروس الدعم.
جاء هذا القرار بناءً على تعليمات وزير التربية، الذي اعتبر الدروس الخصوصية مخالفة للقوانين. وقد أتى بعد حملة تفتيشية نفذتها لجنة مشتركة يرأسها الوالي وتضم ممثلين من مديرية التربية، التجارة، الأمن، والدرك الوطني، واستهدفت المدارس والأكاديميات التي تقدم دروسًا خصوصية رغم أن التراخيص الممنوحة لها كانت تقتصر على تعليم اللغات فقط.
في النهاية، يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن وزارة التربية الوطنية من تقديم بدائل فعالة لضمان جودة التعليم دون اللجوء إلى الدروس الخصوصية؟ فمن المهم أن يتم التفكير في تنظيم هذا القطاع بشكل قانوني، بما يضمن توفير فرص تعليمية متساوية للجميع، مع ضمان الرقابة الكافية على الممارسات التعليمية.