في الوقت الذي يواصل فيه فيروس المتبنيوم البشري (HMPV) انتشاره، تتزايد المخاوف حول تأثيراته الصحية، خاصةً في الصين حيث تم تسجيل زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالأمراض التنفسية المرتبطة بهذا الفيروس. HMPV، الذي تم اكتشافه لأول مرة في عام 2001، يسبب أعراضًا مشابهة لتلك الناتجة عن الإنفلونزا أو نزلات البرد، لكن يمكن أن يتسبب أيضًا في مضاعفات أكثر خطورة.
وتشمل هذه الأعراض الحمى، السعال، سيلان الأنف، وضيق التنفس، بالإضافة إلى الصفير الذي يظهر بشكل خاص لدى الأطفال أو المرضى الذين يعانون من مشاكل تنفسية مزمنة. ومع ذلك، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة مثل التهاب القصيبات الهوائية أو الالتهاب الرئوي، وهو ما يجعله خطرًا كبيرًا على الفئات الهشة مثل الأطفال الصغار وكبار السن، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
في الصين، أعلنت السلطات الصحية عن ارتفاع في الإصابات بـ HMPV خلال الأشهر الأخيرة. ورغم الزيادة، أظهرت التقارير أن النظام الصحي في البلاد لم يصل إلى مرحلة الاكتظاظ، مع وجود أعداد محدودة من الحالات التي تتطلب العلاج في المستشفى. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن أي تطور غير متوقع في الفيروس قد يفرض ضغوطًا على النظام الصحي.
منظمة الصحة العالمية، في بيان أصدرته في 8 جانفي، أكدت أن هذه الزيادة في الحالات هي جزء من الاتجاه الموسمي الطبيعي ولا تدعو إلى القلق. وأضافت أن لا توجد حاليًا أي دلائل تشير إلى وجود خطر وبائي غير طبيعي. وأكدت أن هذه الحالات تتماشى مع التوقعات المعتادة لفصل الشتاء، حيث تحدث عادةً حالات مشابهة بسبب التغيرات المناخية.
ومع ذلك، شددت المنظمة على أهمية الالتزام بالتدابير الوقائية للحد من انتشار الفيروسات التنفسية. ومن أبرز هذه التدابير، غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون أو باستخدام المعقمات الكحولية عند الضرورة، وتغطية الفم والأنف أثناء السعال أو العطس باستخدام منديل ورقي أو الكوع، إضافة إلى ارتداء الأقنعة في الأماكن المزدحمة أو المغلقة. كما دعت المنظمة إلى تقليل الاحتكاك مع الأشخاص المصابين، لا سيما الأطفال الصغار وكبار السن، والتنبه للأعراض التنفسية الشديدة مثل صعوبة التنفس أو ارتفاع الحمى، والتي تستدعي تدخلًا طبيًا سريعًا، خاصة للفئات الأكثر عرضة للمضاعفات.
وعلى الرغم من ذلك، أشار المسؤولون في منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الحالات قد ارتفع في بلدان أخرى أيضًا. ففي المملكة المتحدة، تم تسجيل زيادة في حالات الإصابة بـ HMPV في بعض المناطق، ما دفع السلطات الصحية إلى زيادة الوعي لدى الأطباء والمواطنين حول كيفية التعامل مع هذه العدوى التنفسية. في الولايات المتحدة، بدأ الفيروس بالظهور بشكل متزايد بين نهاية نوفمبر وديسمبر 2024، ما جعل بعض الولايات تُدرج الفيروس ضمن المراقبة الوبائية.
ووفقا للبيانات الواردة، فإن حالات الإصابة بـ HMPV تزداد بشكل خاص في المناطق التي تشهد تقلبات مناخية حادة، حيث يسهم الطقس البارد في تعزيز قدرة الفيروس على الانتقال. وحسب الدراسات، فإن الأطفال دون سن 5 سنوات وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة هم الأكثر عرضة لتطورات المرض الحادة.
أرقام الإصابات في الصين تشير إلى أن ما يقرب من 15-20% من حالات المرضى الذين يعانون من أمراض تنفسية حادة قد تم تشخيصهم بـ HMPV، في حين أن هذه النسبة تتفاوت حسب المنطقة. ورغم أن الفيروس عادة ما يسبب أعراضا خفيفة، إلا أن بعض الحالات قد تحتاج إلى العلاج في المستشفى بسبب التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي.
وفي الجزائر، أعلنت وزارة الصحة في بداية الاسبوع الأول لهادا الشهر، عن استمرار حملة التلقيح ضد الأنفلونزا لموسم 2024-2025 التي تستهدف بشكل خاص الفئات الأكثر عرضة مثل الأشخاص فوق 65 سنة، الأطفال، والنساء الحوامل. وفي إطار هذه الحملة، أكدت الوزارة أنه لم يتم تسجيل أية حالة إصابة بفيروس HMPV في البلاد حتى الآن، رغم تحذيراتها بشأن الفيروسات التنفسية الأخرى مثل الفيروس المخلوي التنفسي، الذي يشهد انتشارا في العديد من الدول.
وتواصل وزارة الصحة تأكيد أهمية الإجراءات الوقائية للتصدي للفيروسات التنفسية، مثل غسل اليدين بانتظام، تجنب الاحتكاك بالمرضى، واستخدام الكمامات. كما أكدت الوزارة على أهمية التلقيح كأفضل وسيلة للوقاية من الأنفلونزا.
أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم في التعامل مع فيروس HMPV هو غياب العلاج واللقاح الفعّال. ويقتصر العلاج المتاح حاليًا على مضادات الفيروسات التي تساعد في تخفيف الأعراض، بالإضافة إلى الراحة والعناية الداعمة. هذا يجعل الوقاية أمرًا بالغ الأهمية، حيث يُنصح بتطبيق الإجراءات الوقائية خاصة لأولئك الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي. الأطباء يواصلون الدعوة إلى زيادة الوعي العام بخصوص فيروس HMPV وأعراضه، وهو ما قد يساعد في الكشف المبكر عن الحالات ومنع تفشي العدوى.