بعد 20سنة في أقسام محو الأمية…إمرأة جزائرية تحفظ القرآن في سن 83 سنة

استطاعت إمرأة جزائرية حفظ القرآن الكريم، بعدما تجاوزت العقد الثامن من عمرها (83 سنة)، وفوق كل هذا، لم يسبق لها وأن تعلمت حرفاً، أو مارست الكتابة يوماً، كانت تجهل حروف الهجاء ولا تعرف ترتيبها، فما بالك بربطها، حتى تنسج في الأخير كلمات كما يفعل ذلك أطفال المدارس في أولى تجاربهم، وقد نعتبر الأمر محض خيال، أو ربما قد يعجز العقل عن استيعابه .
و وفق موقع "الشروق" ، فإن الحاجة عمارية، ابنة حي العباد في تلمسان، حيث يرقد الوالي الصالح أبي مدين شعيب، كانت تمتلك رؤية مختلفة وعزيمة استثنائية لا تشبه تلك التي نعتمد عليها في العادة، كانت عزيمتها مشعة بالنور، فقد تحلت الحاجة بوشعور عمارية، زوجة الفقيد بويعقوب لعرج، بعزيمة من نور قادتها إلى أن تصبح، بعد 83 عامًا، سيدة السيدات وحافظةً لكتاب الله الكريم، رغم أنها أمضت عقودًا من عمرها ربة بيت لا تقرأ ولا تكتب، بسبب الظروف التي فرضتها الإدارة الاستعمارية، مما جعلها واحدة من ضحايا الأمية التي خلفها الاحتلال.
انتظرت الحاجة عمارية إلى غاية سنة 2005، لتبدأ مسيرتها في محو أميتها التي تطلبت منها أن تتسلح بالمثابرة والاجتهاد وتدريب الذاكرة من تلك الآثار البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تجعل من الذاكرة عاجزة أحياناً على التذكر، فما بالك بقدرتها على تخزين المعلومات وحفظها.
الحاجة عمارية، التي كانت تقطع مئات الأمتار سيرًا على الأقدام ذهابًا وإيابًا، عبر مسالك وعرة، تضطر فيها إلى اجتياز طريق مرتفع المؤدي إلى حي العباد، قادمة من حي سيدي الطاهر، حيث تقع المدرسة القرآنية بمسجد صلاح الدين الأيوبي.
هناك، كانت تنتظرها معلمتها ورفيقتها في رحلة محو الأمية، نجمة بلخوش، التي كانت نجمتها المضيئة التي أنارت ظلمة الجهل التي رافقتها منذ الطفولة، ، و لم يكن شغفها مقتصرًا على تعلم الحروف ورصف الكلمات فحسب، بل كان أن تقرأ وتحفظ كتاب الله الكريم، وبعد عشرين عامًا من المثابرة والاجتهاد، تحقق حلمها وأدركت مبتغاها، مدفوعةً بإيمانها العميق بخالق الكون، كما قيل قديمًا: "من تعلم الإيمان تعلم القرآن".
و هكذا تحققت شبه المعجزة، حيث احتفى يوم السبت الماضي رواد المدرسة القرآنية لمسجد صلاح الدين الأيوبي في سيدي الطاهر بتلمسان بالحاجة عمارية، و شارك في هذا التكريم طلبة وحفظة القرآن الكريم، إلى جانب الأساتذة ، يتقدمهم الإمام الفاضل أحمد طبيب، إمام المسجد.
و أفاد ذات المصدر ، أن هذا الاحتفاء كان تكريمًا لرمز الاجتهاد والمثابرة، للقدوة التي لم تستسلم للظروف، ولم يمنعها تقدم العمر، ولا المسافات الطويلة التي كانت تقطعها سيرًا على الأقدام بين حي العباد وحي سيدي الطاهر، ولا حتى أميتها، من تحقيق حلمها النوراني بحفظ كتاب الله الكريم.