الزليج الجزائري… إبداع فني عريق يجسد الهوية والتراث

يُعد الزليج الجزائري من أرقى الفنون التقليدية التي تعبّر عن العمق التاريخي والثقافي للبلاد، حيث يجمع بين الحرفية الدقيقة والجمالية الفريدة، و يعود تاريخه إلى العصور الإسلامية الأولى، لا يزال حاضرًا بقوة في العمارة الجزائرية، سواء في المساجد، القصور، أو حتى البيوت التقليدية، مما يجعله أحد أهم الرموز التي تحفظ الهوية الوطنية.
يعود فن الزليج إلى الحضارة الأندلسية، وانتقل إلى الجزائر خلال فترة الوجود الإسلامي في شمال إفريقيا، و يقال ان الزليج ظهر أول مرة في بجاية الحمادية ،حيث كان قصر اللؤلؤة الشهير مزينا بهذه القطع الفريدة من نوعها، ثم انتشر بعدها إلى بعض المدن القريبة، ومنها سافر إلى غرناطة، ثم عاد بعدها إلى الجزائر بعد سقوط الأندلس ، وقد برع الحرفيون الجزائريون في تطويره بأساليب وأنماط هندسية مميزة، جعلته من أكثر الفنون تميزًا في العمارة المحلية.
تطور فن الزليج في الجزائر والأندلس، في العصور الوسطى، وخصوصا منذ القرن الحادي عشر، وازدهر خلال حكم بني نصر وبني مرين، مع إدراج الألوان: الأزرق والأخضر والأصفر. وقد أدرج اللون الأحمر في القرن السابع عشر.
و بحسب بعض المصادر، فإن الكثير من قطع الزليج كانت تستورد من تونس وإيطاليا، وكانت تسمى في السجلات أزلايج أنابولي.
و للتذكير ، كانت قد أعلنت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، أن الجزائر بصدد إعداد ملف خاص حول "فن الزخرفة المعمارية – الزليج الجزائري "، تمهيدًا لتقديمه إلى منظمة اليونسكو ، لتسجيله ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
كما أشارت إلى أن الجزائر تمتلك حاليًا 11 عنصرًا غير مادي مدرجًا ضمن قوائم التراث الثقافي العالمي لليونسكو، وتواصل جهودها لتصنيف المزيد من العناصر التراثية ضمن هذه القائمة.
وفق الباحث ، تسمية الزليج ترجع إلى الحرفي الفخاري الذي يعرف ببلقاسم زليجي الأندلسي، الذي هاجر إلى تونس منذ العهد العثماني في القرن السادس عشر ميلادي و تمركز في مدينة نابل المشهورة بصناعة الخزف، وأضاف المتحدث أن حرفة الزليج ازدهرت جدا في الجزائر خلال العهد العثماني أي منذ القرن السابع عشر ميلادي، إلا أن أول ظهور حقيقي لها يعود إلى القرن 11 وتحديدا في قلعة بني حماد «المسيلة»، أين يمكن أن نجد تسمية الخزفيات ذات الطلاء المعدني وهي قليلة جدا موجودة في الحضارة الحمادية، المعروفة في أحواض مدينة المسيلة وبالضبط في بلدية المعاضيد.
ويطلق مصطلح الزليج على تلك القطع الخزفية متعددة الأشكال و الألوان، التي يتم تجميعها حسب مخططات دقيقة حيث تشكل لوحات زخرفيه جميلة ذات تصاميم هندسية، نباتية أو كتابية، تستعمل بشكل أساسي لتبليط الأرضيات و الأجزاء السفلية للجدران، وفي حالات نادرة لكسوة الأعمدة و العقود وحتى عند أعتاب الأبواب وبداية السلالم.
وقال الباحث عقاب، بأن هناك العديد من الشواهد الأثرية الدالة على أن أصل الزليج المنتشر في المغرب العربي ظهر في الأول في الجزائر، وازدهر إبان الحضارة الحمادية، وقد بدأ بالمقرمسات، وهي قطع مصبوغة بطلاء معدني أخضر، في جزئها الظاهر إلى الخارج، أما الجزء الأخر المغمور في الجدار فيكون غير واضح للعيان، ويبقي على حالته الطبيعية أي عبارة عن فخار.
و أكد أن تنوع الأثريات يعكس تطور صناعة الفخار في المدن الإسلامية الجزائرية الكبرى مثل تلمسان، مستغانم، وقسنطينة، حيث تُعدّ هذه الأخيرة لوحة تراثية زاخرة بالخزف المطلي بألوان متعددة، خاصة الذهبي والأخضر الزرعي.
وأوضح أن زخرفة الزليج الجزائري تخلو من الملامح البشرية، وتعتمد بشكل أساسي على الخطوط الدائرية والأطباق النجمية التي ظهرت في الدولة العبيدية بتلمسان. وقد تطورت هذه الصناعة لتشمل أنماطًا وألوانًا متنوعة، مع التركيز على الفسيفساء اللونية، التي تعدّ من روائع الحضارة الإسلامية بالمدينة.
كما أشار إلى أن المدرسة التشفينية، التي كانت من أبرز العمائر التي شيدها سلاطين بني زيان، عكست مستوى راقيًا في فن الزليج قبل أن تهدمها السلطات الفرنسية أثناء الاستعمار بحجة توسعة الشوارع وبناء مراكز تجارية.
وأضاف الباحث ، أن الشواهد الأثرية تدل على قدم حرفة الزليج في الجزائر، حيث تعود بعض البقايا المكتشفة إلى العهد الحمادي، بينما لم تُسجَّل شواهد كثيرة من فترة المرابطين ، لكنه أكد أن الزليج شهد تطورًا كبيرًا في العهد الزياني بتلمسان، مع الحفاظ على الطابع الإسلامي الذي يتميز بالتماثل والتناظر والزخارف المتشابكة داخل المربعات الخزفية.
و للاشارة، هناك بلد يحاول منذ سنوات الترويج، على أن فن الزخرفة “الزليج” مغربي الاصل، في حين يؤكد الكثير من خبراء التراث والصناعيين المغاربة على أن انتشار الزليج في المغرب، كان بفضل الحرفيين التلمسانيينن .