ما مدى العمق الاستراتيجي الإفريقي للجزائر؟

أظهرت و أكدت القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي، التي عقدت في أديس أبابا يومي 15 و16 فيفري، مرة أخرى، أن الجزائر يجب أن تستثمر في القارة بشكل أكبر من أجل تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية واقتصادية.
ما وراء التصريحات المبدئية والإدانات القاطعة ورسائل التهنئة الذاتية، فإن الأفعال الملموسة، بما في ذلك تلك التي تحمل أبعادًا مالية واقتصادية، هي وحدها التي تهم في العلاقات الدولية، لا سيما في إفريقيا !
لقد أنشأ الاتحاد الإفريقي عددًا من الهيئات الداعمة لسياساته على الصعيد الإفريقي والدولي، تشمل مجالات السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والمال والدفاع والأمن.
و السيطرة على هذه الهيئات من خلال وجود كوادر جزائريين رفيعي المستوى في المناصب الأكثر أهمية، يعد أمرًا جوهريًا، حيث تُعتبر هذه الهيئات الأدوات التنفيذية للسياسات الإفريقية، ولكن، بسبب الإهمال الطويل، تمكنت دول أخرى، وعلى رأسها جارتنا الغربية، من إحكام قبضتها على هذه الهيئات واستغلالها لخدمة مصالحها، حيث إن "الطبيعة تكره الفراغ".
إن مشاريع البنية التحتية، وخاصة الطرقية (الطريق العابر للصحراء، طريق تندوف-الصخيرات...)، إضافة إلى مشاريع خطوط أنابيب الغاز والموانئ والمطارات، تُعد باهظة التكلفة وتحتاج إلى سنوات طويلة من التنفيذ والتطوير، لكن تأثيرها على اقتصادات المناطق المعنية أساسي، لأنها تعيد هيكلة الفضاءات والسكان، وتمكن من استغلال الموارد الطبيعية الأساسية، مما يساهم في خلق تنمية مستدامة.
و لذلك، من الضروري أن يطور بلدنا دبلوماسية اقتصادية وتجارية، تستغل جميع الفرص المتاحة من خلال شراكات ثنائية أو متعددة الأطراف.
تمثل الحدود الجنوبية لبلدنا (مع النيجر ومالي وموريتانيا) عمقنا الاستراتيجي في إفريقيا، وهي بحاجة إلى حماية من جميع الحركات العدائية، سواء كانت عنيفة أو سياسية، هذه الحقيقة تفرض علينا إقامة حوار دائم ومستمر مع سلطات هذه الدول.
لذلك، يجب أن يكون التعاون في مجالي الدفاع والأمن متنوعًا (يشمل التسليح، الاستخبارات، التدريب، المناورات، والتمارين العسكرية...)، وذلك لضمان استقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب، وتهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، وجميع أشكال التهريب ،ولا يمكن تنفيذ هذه السياسات دون تعاون وثيق مع هذه الدول، مع الاستجابة لحاجاتها الأساسية والملحة.
من الضروري إعادة النظر في استراتيجية انتشار دبلوماسيتنا في إفريقيا من خلال تبني رؤية شاملة وتعاون ملموس، يضمن أن يكون صوت بلدنا مسموعًا في جميع المحافل الإفريقية.
وبالتالي، يجب إنهاء الدبلوماسية القائمة على ردود الأفعال، والعمل على تطوير مبادرات مستهدفة وفعالة، تمكننا من تحقيق الأهداف المحددة سلفًا.