مولود فرعون…63 سنة تمر على استشهاد أيقونة الأدب الجزائري وصوت الهوية الوطنية

يُعد مولود فرعون واحدًا من أبرز الأسماء في الأدب الجزائري، حيث شكّلت كتاباته شهادة حية على معاناة الجزائريين خلال الاستعمار الفرنسي، وساهمت في إبراز الهوية الوطنية من خلال السرد الواقعي واللغة الصادقة التي تعكس حياة البسطاء.
وُلد الأديب مولود فرعون في 8 مارس 1913 بقرية تيزي هيبل ببني دوالة ،بمنطقة القبائل الكبرى (ولاية تيزي وزو)، ورغم الظروف القاسية التي عاشها في طفولته، تمكن بفضل تفوقه الدراسي بعد أن تحصل عام 1928 على منحة دراسية لمتابعة تعليمه الثانوي بإكمالية بمدينة تيزي وزو ليلتحق عام 1932 بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة بالجزائر العاصمة ، حيث تمكن من أن يصبح مدرسًا، وهي المهنة التي ظل وفيًا لها حتى آخر أيام حياته.
و عمل فرعون، في مجال التعليم لسنوات طويلة، حيث كان مقتنعًا بأهمية المعرفة في تحرير العقول وتعزيز الوعي الوطني، وكان يرى في الكتابة وسيلة لنقل هموم شعبه للعالم.
و زاول مهنة التعليم لمدة طويلة قبل أن يصبح مفتشا للمراكز الاجتماعية بابن عكنون بالجزائر العاصمة عام 1960 قبل أن يغتال على أيدي مجرمي منظمة الجيش السري.
بدأ فرعون مسيرته الأدبية برواية "ابن الفقير" (Le Fils du Pauvre)، التي تحكي قصة حياته في قالب روائي، معبرة عن الكفاح اليومي لعائلة جزائرية فقيرة خلال الاحتلال الفرنسي، و حققت هذه الرواية نجاحًا كبيرًا، ليس فقط لأنها تعكس واقع الجزائريين، بل لأنها قدمت بصدق رؤية الإنسان البسيط في مواجهة الاستعمار والحرمان.
و كتب أيضًا روايات أخرى مثل "الأرض والدم" (La Terre et le Sang) و"الدروب الوعرة" (Les Chemins qui Montent)، التي استعرضت فيها قضايا الهوية والصراع الثقافي، بين تأثيرات الثقافة الفرنسية والتمسك بالجذور الجزائرية.
اغتيل مولود فرعون، وخمسة من رفاقه بابن عكنون بأعالي الجزائر العاصمة على يد عناصر منظمة الجيش السري الفرنسية وذلك قبل أيام فقط من التوقيع على اتفاقيات ايفيان، ففي 15 مارس 1962 وقبل أربعة أيام فقط من التوقيع على إتفاقيات إيفيان والإعلان عن وقف اطلاق النار، إقتحمت مجموعة من المسلحين تابعين للمنظمة الإرهابية الجيش السري قاعة الإجتماعات بالمركز البيداغوجي بابن عكنون بأعالي العاصمة ،حيث كان مولود فرعون يحضر جلسة عمل مع زملائه وقامت باغتياله رميا بالرصاص رفقة أصدقائه علي حموتان و صالح عودية و ايتيان باسي و روبرت ايماري و ماكس مارشون و جميعهم رؤساء مراكز اجتماعية تربوية (مفتشو التعليم).
وتشاء الصدف أن يكتب مولود فرعون الكاتب الإنساني ساعات قليلة فقط قبل اغتياله مثلما سجل في "يومياته" "أن الرعب يعشش في العاصمة و لكن الناس مع ذلك يتنقلون ، فالذين عليهم اكتساب قوتهم اليومي أو قضاء حاجياتهم مجبرون على الخروج فهم يخرجون دون أن يعلموا إن كانوا سيعودون أو سيموتون في الطريق..".
وأضاف قائلا " بالرغم من إنني لا أريد أن أموت و لا أن يموت أبنائي الا أنني لا اتخذ أي احتياطات خاصة...".
لكن للأسف، تحقق هاجسه كما شاء القدر، حيث اغتيل بطريقة غادرة، رغم كونه رجلًا إنسانيًا كان يؤمن بأن "ما يستحق الإعجاب في الإنسان يفوق بكثير ما يدعو إلى الازدراء".
و ختاما ، يظل مولود فرعون رمزًا للأدب المقاوم، الذي عبّر عن هموم شعبه وسعى إلى نشر المعرفة في زمن أراد فيه المستعمر طمس الهوية الجزائرية، ورغم مرور العقود، تبقى كلماته صدى لنضال الجزائريين، وجسرًا يربط بين الأجيال في فهم الماضي واستشراف المستقبل.