بعد 63 سنة.. الجزائر تحيي ذكرى عيد النصر

اليوم، في الـ 19 مارس، تستعيد الجزائر إحدى أبرز المحطات في تاريخها، حيث يمثل هذا اليوم الذكرى الثالثة و الستين لانتصارها على المستعمر، و نهاية أكثر من قرن من الهيمنة الفرنسية. لم يكن هذا الحدث مجرد وقف لإطلاق النار، بل جاء كتتويج لنضال مرير قدم خلاله الشعب الجزائري أرواحا زكية من أجل استعادة سيادته و استقلاله.
بعد حرب تحريرية دامت سبع سنوات و نصف، فرضت الثورة الجزائرية كلمتها، لتجبر المستعمر على الدخول في مفاوضات طويلة و شاقة. لم يكن ذلك خيارا سهلا بالنسبة لفرنسا، التي حاولت منذ انطلاق الثورة عام 1954 قمعها بالحديد و النار، لكنها وجدت نفسها في مواجهة مقاومة لا تلين، قادتها جبهة التحرير الوطني، التي فرضت نفسها كالممثل الوحيد و الشرعي للشعب الجزائري.
انطلقت المفاوضات الأولى في عام 1961، لكنها شهدت عدة تعثرات بسبب محاولات فرنسا الالتفاف على المطالب الجزائرية، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في 18 مارس 1962 بمدينة إيفيان السويسرية. وقع عن الجانب الجزائري كريم بلقاسم، ممثل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، فيما مثل فرنسا لويس جوكس. نصت الاتفاقيات على وقف إطلاق النار ابتداء من منتصف نهار 19 مارس، تمهيدا لتنظيم استفتاء تقرير المصير، الذي جرى في 1 جويلية من نفس السنة، حيث عبر الجزائريون، و بأغلبية ساحقة، عن رغبتهم في الاستقلال، الذي أعلن رسميا يوم 5 جويلية 1962، منهيا بذلك حقبة استعمارية دامت 132 عاما.
لم يكن تحقيق النصر وليد الصدفة، بل جاء بعد عقود من المقاومة، بدأت منذ الاحتلال الفرنسي عام 1830. قدم الشعب الجزائري خلالها ملايين الشهداء الذين رفضوا الخضوع لسياسة الطمس و التهجير و نهب الثروات. فمن الثورات الشعبية التي قادها الأمير عبد القادر، أحمد باي، المقراني، و بوعمامة، وصولا إلى اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، كانت الجزائر دائما أرضا تأبى الاستسلام، يقودها رجال و نساء آمنوا بأن الحرية لا توهب، بل تنتزع.
لم تقتصر معركة التحرير على المواجهة المسلحة فحسب، بل خاض الجزائريون حربا سياسية و دبلوماسية، تمكنت من تدويل القضية الجزائرية، و جلب الدعم من العديد من الدول، خاصة بعد عرض القضية في الأمم المتحدة. كما لعبت الذاكرة الوطنية، و الشهادات الحية للجرائم المرتكبة من قبل المستعمر، دورا محوريا في إقناع الرأي العام الدولي بعدالة القضية الجزائرية.
و اليوم، بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، تواصل الجزائر مسيرتها في مواجهة تحديات جديدة، واضعة نصب عينيها بناء دولة قوية و مستقلة القرار، تسعى لتحقيق نهضة اقتصادية و تنموية شاملة. الرئيس عبد المجيد تبون أكد، في عدة مناسبات، أن "الجزائر تمضي بثبات نحو تحقيق أهدافها في مختلف المجالات"، مشددا على أن ملف الذاكرة يظل أحد أهم انشغالات الدولة، إذ "لا يمكن للتاريخ أن يمحى أو ينسى بالتقادم".
و أشار تبون إلى أن الجزائر لا تطالب بتعويضات مادية عن جرائم الاستعمار، لكنها تتمسك بحقها في الاعتراف الصريح و الرسمي من طرف فرنسا بكل الفظائع التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية، من مجازر، و تهجير، و نهب للثروات، و طمس للهوية الوطنية.