ألغام الاستعمار: الجزائر تحقق انتصارا أمميا و تدعو لزيادة التوعية

نجحت الجزائر في استقطاب اهتمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول واحدة من أخطر القضايا الإنسانية المرتبطة بالحروب و النزاعات، من خلال مصادقة المجلس، بالإجماع، على مشروع قرار جزائري حول "تأثير الألغام المضادة للأفراد على التمتع بجميع حقوق الإنسان"، بالتزامن مع اليوم الدولي للتوعية من مخاطر الألغام و المساعدة على نزعها.
القرار، الذي جاء بمبادرة جزائرية في إطار عهدتها داخل المجلس للفترة 2022–2025، حظي بدعم مجموعة إقليمية واسعة ضمت كلا من جنوب إفريقيا، كرواتيا، الموزمبيق، البيرو، المملكة المتحدة، و فانواتو. و قد سلط الضوء على الآثار الإنسانية و الاجتماعية و الاقتصادية المدمرة التي تخلفها الألغام، داعيا إلى القضاء على هذه الآفة، و زيادة الدعم الموجه للضحايا، و تقوية التعاون الدولي من أجل عالم خال من الألغام.
وفي نفس السياق، احتضنت الجزائر العاصمة ندوة وطنية نظمتها جمعية "مشعل الشهيد" بالتنسيق مع جريدة "المجاهد"، تحت عنوان "جرائم الاحتلال في حق الشعب: الألغام المضادة للأفراد نموذجا"، و ذلك تخليدا لضحايا الألغام خلال ثورة التحرير و تضامنا مع ضحايا الألغام في الأراضي الصحراوية.
النقاشات التي عرفتها الندوة شكلت تذكيرا جماعيا بحجم الأذى المستمر الذي خلفته الألغام التي زرعها الاستعمار الفرنسي على طول الحدود الشرقية و الغربية للبلاد. الناشط الحقوقي مسعود عظيمي وصف تلك الألغام بأنها "حرب مستمرة" تستهدف المدنيين، مؤكدا أن الاحتلال وضع "خط شال" ما بين 1958 و 1959 بهدف منع المجاهدين من إدخال الأسلحة من الخارج، مشيرا إلى أن هذه الحدود تحولت إلى حقول موت خلفت المئات من الضحايا.
من جهته، قدم المؤرخ محمد لحسن الزغيدي أرقاما مرعبة، حيث أكد أن فرنسا الاستعمارية زرعت حوالي 15 مليون لغم في الجزائر خلال الثورة التحريرية، لافتا إلى عدم وجود خرائط دقيقة لهذه الألغام، و هو ما يصعب عمليات نزعها و يعرض حياة الآلاف للخطر حتى اليوم.
أما محمد جوادي، رئيس الجمعية الجزائرية لضحايا الألغام، فقد دعا إلى ضرورة تحمل فرنسا لمسؤوليتها التاريخية، معتبرا أن الألغام تمثل "جريمة مدفونة تحت الأرض"، و حربا مستمرة ضد الأبرياء.
و لم تقتصر المداخلات على السياق الجزائري فقط، بل تناولت معاناة الشعب الصحراوي أيضا، حيث أكد ممثل الجمعية الصحراوية لضحايا الألغام، حمدي السالك الدين، أن الصحراء الغربية تعد من أكثر المناطق تلوثا بالألغام و القنابل العنقودية، مشيرا إلى أن هذه الأسلحة تحصد أرواح المدنيين بشكل يومي.
القرار الأممي الجديد دعا إلى تعزيز الجهود الدولية في مجال التوعية بمخاطر الألغام، خاصة في المناطق المتأثرة، و ضرورة إدماج هذه التوعية في البرامج التعليمية و المجتمعية. كما شدد على أهمية التنسيق بين الدول و المنظمات و المجتمع المدني لتبادل الخبرات و أفضل الممارسات في مجالات نزع الألغام و مساعدة الضحايا، مع إيلاء اهتمام خاص بالأطفال و الناجين مع عائلاتهم.
و في خطوة عملية، كلف القرار المفوض السامي لحقوق الإنسان بإعداد تقرير شامل، بالتشاور مع الحكومات و المنظمات الدولية و المجتمع المدني، حول تأثير الألغام على التمتع بجميع حقوق الإنسان، بهدف بناء قاعدة معلوماتية تدعم السياسات و الاستراتيجيات الدولية المستقبلية.