الجزائر-فرنسا: عودة الحوار وسط رهانات الذاكرة والمصالح المشتركة

تُعتبر زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر منتظرة من الجانبين وهي ثمرة لمسار طويل بدأ بإعلان لشبونة الذي أدلى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. في تلك المناسبة، أعاد الرئيس الفرنسي الإمساك بملف العلاقات مع الجزائر، والذي كان قد احتكره وزير داخليته، مؤكدًا أن هذه العلاقات تقع حصرًا ضمن صلاحيات رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية فقط.
ولم يتأخر رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إذ أوضح خلال مقابلة مع وسائل الإعلام الوطنية أن محاوريه الحصريين في فرنسا هم فقط رئيس الجمهورية ووزير خارجيته. وهكذا، تم ترميم الجسور الدبلوماسية بين البلدين، وتم تأكيد إرسال وزيري الخارجية والعدل الفرنسيين إلى الجزائر.
في كلمته التي ألقاها بعد لقائه بوزير الخارجية الجزائري لمدة ساعة ونصف، ثم بالرئيس عبد المجيد تبون لمدة ساعتين ونصف، استعرض الوزير الفرنسي جان-نوييل بارو المواضيع التي تمت مناقشتها، والإجراءات التي تقرر اتخاذها على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
من بين أبرز القضايا التي تم التطرق إليها: ملف الذاكرة المشتركة، حيث تقرر إعادة تنشيط عمل مجموعة الخبراء المكلفة بهذا الملف، واستئناف الحوار بين أجهزة الأمن في البلدين، والعودة إلى الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بملفات الترحيل والهجرة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية. كل ذلك يأتي في انتظار زيارة وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان إلى الجزائر هذا الأسبوع، والذي يُنتظر منه إعطاء دفعة قوية لاتفاقيات التعاون القضائي الموقعة بين البلدين.
بدأت معالم الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027 تظهر في الأفق، وأصبحت محور تركيز الأحزاب والسياسيين في فرنسا، حيث تُقاس جميع تصريحاتهم بمدى تأثيرها على هذا الاستحقاق الكبير.
وهنا، تبرز مسألتان رئيسيتان: الأولى تتعلق بتصويت مزدوجي الجنسية، وخصوصًا الجزائريين منهم، والثانية تتعلق بانزياح الناخب الفرنسي نحو اليمين. وفيما يخص التصويت المجتمعي، من المرجّح أن يصب لصالح مرشح من الوسط اليميني مثل دومينيك دو فيلبان، أو من اليسار مثل جان-لوك ميلانشون، إذ يُمثّل هذا الصوت وزنًا انتخابيًا قد يصل إلى نقطتين، قادرًا على ترجيح كفة أحد المرشحين. أما المسألة الثانية، فهي تدفع المرشحين لتبني خطاب أكثر تطرفًا وعنصرية ومعاداة للأجانب والمسلمين، مما يجعلهم يقتربون في خطابهم من أقصى اليمين، أملًا في ضمان مكانهم في الدور الثاني من الانتخابات.
وهنا، تتسلل الجزائر إلى قلب الحملة الانتخابية الفرنسية، حتى وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.
صحيح أن أغلب المصالح الاقتصادية والمالية الفرنسية مرتبطة بالاتحاد الأوروبي، لكن من الملاحظ أن فرنسا بدأت تفقد تدريجيًا موقعها في السوق الجزائرية لصالح دول أخرى مثل الصين وتركيا وإيطاليا، في مجالات متعددة كالصناعات الغذائية، السيارات، الخدمات، المعدات الصناعية والصحة، ما يثير قلق أرباب العمل في فرنسا.
لذلك، هناك رغبة قوية في إعادة تمركز وتعزيز حضور الشركات الفرنسية في السوق الجزائرية، خصوصًا لتعويض الخسائر التي قد تتكبدها فرنسا نتيجة قرارات الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على المنتجات الفرنسية. غير أن هذا الأمر لن يتحقق إلا بتحسين المناخ السياسي بين البلدين.