مساهمة ⎮ما مصير قدراتنا في تقييم السياسات العمومية ؟

من المتعارف عليه في جميع الدول أنه بعد تنفيذ أي قرار يتم تفعيل أدوات التقييم من أجل قياس فعالية تلك القرارات، و ذلك بهدف تصحيح المسار، أو تعزيز الإجراءات المتخذة، أو حتى إلغائها إن ثبتت عدم فعاليتها .
و للأسف، على الرغم من أن بلادنا قد أنشأت هذه الأدوات، إلا أنها لا تستخدم حاليا لأسباب غير معروفة، بل غامضة، وهذا الوضع يَحرم السلطات العمومية من وسيلة تتيح لها تصحيح المسارات وتفادي اتخاذ قرارات عشوائية، و هذا ما يحدث اليوم بالفعل...
و في نفس الوقت ، كانت هذه الممارسة تُكرس النقاش الديمقراطي البنّاء، وتُرسخ ثقافته في مختلف مستويات المجتمع، كما أن هذا الإطار كان يُمكن من تنمية قدراتنا على التوقع ، وعدم الاكتفاء بردود الفعل على الأحداث، بل توقعها والتحضير لها بما يضمن الصمود اللازم ، ويمكن الاستشهاد بعدة أمثلة مثل : " أزمة المياه، وضعف شبكة السكك الحديدية، فقدان السيادة الغذائية، والاعتماد على موارد المحروقات…".
كان المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد أنشأ لجنة لتقييم السياسات العامومية، تُمكنه من فحص نجاعة السياسات التي تنفذها السلطة التنفيذية.
وكان الوزراء يمثلون أمام هذه اللجنة، كل على حدة، للدفاع عن أعمالهم وشرح مدى صحتها و مشروعيتها ، و ذلك من خلال النقاشات التي كانت تدور، كانت تبرز توصيات واضحة، بينما كانت توصيات أخرى تُضاف لإثراء الإجراءات المتبعة.
كانت النقاشات تحت رئاسة الفقيد محمد الصغير منتوري، رئيس المجلس آنذاك، تتسم بالحدة، حتى أن بعض الوزراء، الذين لم يكونوا ملمين بملفاتهم كما ينبغي، وجدوا أنفسهم في مواقف محرجة أمام خبراء المجلس، الذين كانوا يتحكمون في أدق تفاصيل الملفات أكثر من الوزير نفسه.
و لكن المجلس وُوجه باتهامات باطلة، تمثلت في كونه أصبح “حزب معارضة غير معلن”، وهو ما أدى إلى تجميد دوره إلى يومنا هذا، مكتفياً بإصدار تقارير باهتة تمجّد السلطة التنفيذية، على غرار مكاتب الدراسات الخاصة.
في عالم يزداد اضطراباً يوماً بعد يوم، يصبح من الضروري إعادة تفعيل أدوات تقييم السياسات العمومية، مثل المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مجلس المحاسبة، المفتشية العامة للمالية، مراكز البحث والاستشراف، الجامعات، والمؤسسات المنتجة للبيانات والنماذج الإحصائية.
و يجب على هذه التقييمات أن تتمتع بالاستقلالية الكاملة في التفكير والتحليل، وأن تحظى بالإمكانيات اللازمة، حتى تتمكن من أداء دورها بكفاءة.
وبهذا الشكل، سيكون أمام السلطة التنفيذية قوة موازية بنّاءة، تساهم في صناعة القرار وترشيده.