ما الأهمية الاستراتيجية لإتفاق الدفاع بين الجزائر وموريتانيا ؟

يعد الإتفاق الدفاعي الذي تم توقيعه في الجزائر خلال الأيام الماضية أكثر من مجرد شراكة في التعاون العسكري، بل يُعد اتفاقا استراتيجيًا، بالنظر إلى ارتباطه بمنطقة المغرب العربي بأسرها، التي تشهد تدخلات أجنبية متعددة تزعزع الاستقرار.
ويُعدّ المحور الجزائري-الموريتاني، ضرورياً لإستقرار المنطقة وتنميتها، فالعلاقات الإقتصادية والتجارية وحدها لا تكفي إذا لم تُدعّم بإتفاق في مجال التعاون الدفاعي والأمني الذي يشمل التكوين، والتسلح، والذخيرة، والاستخبارات، والمناورات العسكرية…وهذا ما تحقق حاليًا، ومن المتوقع أن يُتبع هذا الاتفاق باتفاقيات مستقبلية تشمل كافة القطاعات دون استثناء.
و من المهم الإشارة إلى أن المنطقة أصبحت محل أطماع لقوى أجنبية لا هدف لها سوى نهب الثروات الطبيعية لهذه الدول.
من الواضح أن البلدان الثلاث الواقعة على حدودنا الجنوبية، المتمثلة في : "النيجر ومالي وليبيا" ، تعيش حالياً أوضاعاً غير مستقرة ومخالفة للشرعية الدستورية، فالنيجر ومالي تعرفان حالة من عدم الاستقرار منذ الانقلابات التي قادتها هيئة عسكرية استولت على السلطة، إذ لا تظهر لديهم أي نية لإعادة السلطة إلى المدنيين المنتخبين ديمقراطيًا.
أما بالنسبة إلى ليبيا، فهي منقسمة بين سلطتين، واحدة في "بنغازي" وأخرى في "طرابلس" ، دون التوصل إلى اتفاق بشأن إجراء انتخابات وطنية موحدة.
وقد حاولت الجزائر تقديم حلّ شامل في مالي من خلال اتفاق الجزائر، وكان من المفترض أن يؤسس لتحالف يضم جميع مكونات الشعب المالي، خصوصاً بين مناطق الجنوب والشمال، غير أن ذلك لم يتحقق.
وفيما يخص النيجر، اقترحت الجزائر مشروع إنشاء أنبوب غاز استراتيجي لنقل المحروقات النيجيرية نحو أوروبا، أما في الملف الليبي، فلم تتوقف الجزائر عن اقتراح حلول سياسية شاملة للمضي نحو مصالحة وطنية بعيداً عن كل أشكال التدخل الأجنبي.
لأسباب متعددة في الماضي، أهملت الجزائر واجهتها الجنوبية وعمقها الاستراتيجي في إفريقيا جنوب الصحراء، مما أدى إلى فقدانها لعدد من مصالحها، وفتح المجال أمام دول أخرى في المنطقة...(مثل المغرب) لبسط نفوذها والتأثير على سياسات هذه الدول بشكل يتعارض مع المصالح الجزائرية.
و كان رجوع الجزائر إلى الساحة الإفريقية، وخصوصاً في إطار الإتحاد الإفريقي، محلّ ترقّب من بعض الدول الإفريقية الكبرى كجنوب إفريقيا ونيجيريا، في حين أن دولاً أخرى تخشى هذا الرجوع وستحاول بكل الوسائل عرقلته.
وفي هذا السياق، تكتسي موريتانيا أهمية كبرى لتمكين الجزائر من إعادة الإنتشار في إفريقيا جنوب الصحراء، ويأتي هذا الاتفاق الأمني والدفاعي تتويجًا للجهود التي بذلتها الجزائر من أجل استعادة المكانة التي تستحقها في المنطقة.