التحول الرقمي في الجزائر: هذا هو مضمون استراتيجية 2025-2030

أطلقت الجزائر وثيقة مرجعية تعد بمثابة الأساس الاستراتيجي لتحولها الرقمي في أفق 2030، واضعة نصب أعينها بناء مستقبل رقمي يقوم على مبادئ وطنية واضحة و قيم موجهة تتماشى مع خصوصيات البلاد.
هذه الوثيقة التي جاءت ثمرة تفكير معمق و مشاورات موسعة مع مختلف الفاعلين في النظام البيئي الرقمي، رسمت الخطوط الكبرى للمسار الذي تعتزم البلاد اتباعه خلال السنوات الست المقبلة، انطلاقا من 2025.
تركز الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي على تحديد أولويات واضحة، و تضع أهدافا دقيقة ينبغي العمل على تحقيقها، لضمان انتقال فعلي نحو اقتصاد رقمي منتج، و إدارة عمومية أكثر فعالية، و مجتمع رقمي مندمج. كما تشدد الوثيقة على أن نجاح هذا التحول مرهون بوضع آليات تنفيذ محكمة و نظم حوكمة ناجعة، تسمح بقيادة التغيير و ضمان الاستمرارية.
لم يكن الحديث عن الرقمنة جديدا في الجزائر. فمنذ الاستقلال، شرعت الدولة في إرساء أسس التكنولوجيا الحديثة، حيث أنشئت أولى الهياكل المتخصصة في الإعلام الآلي في أواخر الستينيات، مثل مركز الدراسات و البحث في الإعلام الآلي الذي أصبح لاحقا المدرسة العليا للإعلام الآلي، و المحافظة الوطنية للإعلام الآلي التي عدت سابقة على المستوى الإفريقي.
و في ثمانينيات القرن الماضي، توسع الاستثمار في تكنولوجيات الإعلام و الاتصال من خلال تأسيس مؤسسات عمومية لتطوير أنظمة المعلومات، إلى جانب إطلاق مخططات تهدف لتصنيع الحواسيب و تطوير البرمجيات محليا. هذه المبادرات أرست أرضية انطلقت منها البلاد لمواجهة تحديات العصر الرقمي.
الإنترنت نقطة التحول الرقمي
كان دخول الجزائر إلى عالم الإنترنت في نهاية التسعينيات حدثا مفصليا، تطلب مراجعة شاملة لقطاع البريد و المواصلات، و ساهم في فتح مجال الهاتف النقال و توسيع خدمات الشبكة العنكبوتية. و قد ساعدت هذه المرحلة في بروز مؤشرات رقمية أولى، منها توسيع شبكات الألياف البصرية، و ربط ملايين الأسر بالإنترنت الثابت، و تعميم خدمات الجيل الرابع.
و قد مكنت هذه النقلة من الشروع في رقمنة بعض الخدمات العمومية، إذ بادرت عدة قطاعات بإدخال حلول رقمية، مثل وزارة العدل بخدمة استخراج صحيفة السوابق العدلية إلكترونيا، و وزارة الداخلية بإطلاق بطاقة التعريف البيومترية، إضافة إلى رقمنة الحالة المدنية، و اعتماد التعليم العالي على نظام دخول جامعي خال من الورق، و الضمان الاجتماعي بإصدار بطاقة "الشفاء" التي تجهز حاليا بنسخة رقمية جديدة.
رغم هذه المبادرات المتعددة، ظل مسار الرقمنة في الجزائر يفتقد إلى التنسيق المركزي، حيث عمل كل قطاع على حدة، ما جعل الجهود متفرقة و غير منسجمة.
هذا التشتت دفع السلطات العليا إلى إحداث وزارة خاصة بالرقمنة و الإحصائيات سنة 2020، و التي كلفت بمهمة توحيد الرؤية و صياغة استراتيجية وطنية شاملة، تضمن التكامل بين السياسات الرقمية القطاعية، و تؤسس لحوكمة موحدة للتحول الرقمي.
فالسلطات العليا في الجزائر، تولي أهمية بالغة للتحول الرقمي، باعتباره أحد أعمدة السيادة الوطنية إلى جانب الأمن الغذائي و المائي و الطاقة.
و يندرج التزام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتحقيق تحول رقمي شامل ضمن برنامجه الرئاسي، الذي أكد فيه على تحديث الإدارة، تبسيط الإجراءات، و تعزيز الشفافية و الخدمات العمومية عبر الرقمنة.
و لضمان حماية هذا الفضاء الرقمي المتوسع، تم إنشاء جهاز وطني للأمن السيبراني سنة 2020، يتكون من مجلس وطني و وكالة متخصصة، تعكف على إعداد و تنفيذ استراتيجية وطنية لحماية البيانات و المعطيات الحساسة، و تحصين الشبكات العمومية و الخاصة.
الآفاق المستقبلية: من الرقمنة إلى التنمية المستدامة
و وفقا للوثيقة، تراهن الجزائر، من خلال هذه الاستراتيجية الجديدة، على جعل الرقمنة رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية، عبر تطوير الخدمات، تحسين جاذبية مناخ الأعمال، و مواكبة الثورة التكنولوجية العالمية.
كما تسعى إلى تمكين المواطن من ولوج الخدمات بطريقة سلسة، و تقوية الثقة في الإدارة الرقمية، مع ضمان العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا بين مختلف مناطق الوطن.
أخيرا، ينتظر أن تبدأ البلاد في تنفيذ هذه الاستراتيجية فعليا خلال السنة الجارية 2025، من خلال خطط دقيقة و جدولة زمنية واضحة، على أمل أن يتحول الطموح الرقمي إلى واقع ملموس ينعكس إيجابا على حياة المواطن اليومية.