من قمة بغداد… الرئيس تبون يدعو إلى تكامل اقتصادي عربي يرتكز على التضامن

من العاصمة العراقية بغداد، وجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، كلمة إلى المشاركين في الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية الاقتصادية و الاجتماعية، المنعقدة اليوم السبت 17 ماي بالتوازي مع القمة العربية الـ34، مؤكدا من خلالها على الأهمية المحورية التي تحتلها قضايا التنمية الاقتصادية في مسار العمل العربي المشترك.
الرسالة، التي ألقاها نيابة عنه وزير الدولة و وزير الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، عبرت عن موقف الجزائر الواضح، لا يمكن تحقيق الأمن القومي العربي بمعزل عن التنمية الاقتصادية المستدامة، باعتبارها ركيزة أساسية لبناء مستقبل مستقر و مزدهر.
و في مستهل الكلمة، أعرب الرئيس تبون عن ترحيب الجزائر بانعقاد هذه القمة التي تضع الشأن التنموي و الاقتصادي العربي في صدارة الاهتمامات، مؤكدا أن قضايا الاقتصاد و التنمية ليست شؤونا ثانوية أو ترفا، بل ترتبط بشكل مباشر بجوهر الأمن القومي العربي، و مسؤوليتنا الجماعية تجاه شعوبنا، الحاضرة منها و المقبلة.
عبد المجيد تبون وضع ثلاث نقاط أساسية تمثل، من وجهة نظره، أولويات لا غنى عنها في مسار التنمية و التكامل. أولها، أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تبنى بمعزل عن التضامن مع الدول العربية التي تعيش تحت وطأة الأزمات، و في مقدمتها فلسطين المحتلة. فالأمن و الازدهار في المنطقة لا يتحققان ما لم تستعد هذه الدول عافيتها و تتجاوز محنها.
النقطة الثانية تمثلت في ضرورة تجاوز مرحلة التمني و العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي العربي فعليا، بدل أن يبقى حلما مؤجلا تتناقله الأجيال دون تطبيق. أرقام التبادل التجاري بين الدول العربية، رغم تحسنها النسبي، لا تزال متواضعة و لا تتجاوز 8% من حجم التجارة مع باقي دول العالم، و هو مؤشر يعكس الهوة الكبيرة التي لا تزال قائمة في مجال التعاون الاقتصادي العربي.
أما النقطة الثالثة، فتتعلق بضرورة توفير شروط هذا التكامل من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية بشكل فعلي، وا لعمل على تطوير شبكات النقل بين الدول، إلى جانب إنشاء آليات مالية و مصرفية و تأمينية فعالة تدعم الاستثمارات و تسهل حركة المبادلات.
الجزائر، بحسب ما جاء في الرسالة، لم تكتف بالدعوات النظرية، بل كانت منخرطة عمليا في مشاريع و مبادرات عربية عدة. فقد انضمت منذ 2009 إلى منطقة التجارة الحرة العربية، و شاركت في إنشاء مؤسسات تمويل و استثمار، و ساهمت في مشاريع الربط البري، البحري، الجوي، و حتى الطاقوي.
و في قراءة استشرافية لمستقبل المنطقة، شدد الرئيس تبون على أن الدول العربية لا ينبغي أن تبقى على هامش التحولات التقنية العالمية، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة، الرقمنة، الذكاء الاصطناعي، الروبوتيك و النانوتكنولوجيا. و هي مجالات حيوية تتطلب حشد الجهود و الموارد بشكل جماعي، حتى لا تجد الأمة العربية نفسها متأخرة عن ركب الحضارة.
و في ختام الكلمة، جدد رئيس الجمهورية التزام الجزائر بمواصلة دعمها لكل الجهود و المبادرات التي تهدف إلى ترسيخ التعاون الاقتصادي العربي، بما يخدم مصالح الشعوب و يضمن مستقبلا أكثر عدلا و تنمية و استقرارا، و يعزز مكانة الدول العربية في الساحة الاقتصادية الدولية.
و للإشارة، فإن أعمال القمة العربية التنموية بدورتها الخامسة، ستناقش عدة ملفات اقتصادية و اجتماعية لدهم التكامل العربي. حيث يرتكز النقاش على الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي حتى عام 2035، و تطورات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، و استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي العربي.
كما ستبحث القمة الخطة التنفيذية للاستراتيجية العربية للأمن المائي لمواجهة تحديات التنمية المستدامة في المنطقة.
تشمل المحاور الأخرى الإطار الاستراتيجي و خطة العمل للبرنامج الإقليمي لتمكين المرأة اقتصاديا و اجتماعيا، بالإضافة إلى مبادرات عدة مثل الاقتصاد الأزرق المقترح من الرئيس الموريتاني، و المبادرة العربية للذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى تحقيق ريادة تكنولوجية و تنمية مستدامة.
تناقش القمة أيضا دعم و إيواء الأسر النازحة داخل الأراضي الفلسطينية، و مبادرات الاستثمار في الموارد البشرية الصحية، إلى جانب التجربة المصرية في القضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي.
كما تستعرض الخطة التنفيذية للاستراتيجية العربية للشباب و السلام و الأمن، و تحضيرات المؤتمر العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية.
و تتزامن انعقاد القمتين العربية و التنموية للمرة الأولى، بعد اعتماد هذه الآلية للقمة العربية بالجزائر، في نوفمبر 2022.