تدوينة | خريجو الجامعات المستفيدون من منحة البطالة يطالبون بالتوظيف المباشر : مطالب مشروعة أم أزمة هيكلية ؟

في تطور جديد لقضية اجتماعية متواصلة، وجه خريجو الجامعات في الجزائر من مختلف ولايات البلاد نداءً عاجلًا إلى السلطات العمومية، طالبوا من خلاله بالتدخل السريع لتسوية أوضاعهم المهنية.
و نرى أن الجزائر تشهد في السنوات الأخيرة تفاقم ظاهرة بطالة الجامعيين، التي أصبحت تطرح تحديات اجتماعية واقتصادية متزايدة، رغم أن التعليم كان يُعتبر سابقًا ضمانًا ضد البطالة.
ويرجع هذا الوضع إلى عدة عوامل متداخلة، و هذا الوضع يطرح تساؤلات جدية حول فعالية السياسات التعليمية والتشغيلية، ويستدعي إعادة نظر شاملة في منظومة التكوين والتوظيف.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن معدل البطالة في الجزائر يبلغ حوالي 10.06%، لكنه يرتفع بشكل حاد بين فئة الشباب ليصل إلى 25%، وبين خريجي الجامعات إلى 16%، مع تفوق نسبة البطالة بين النساء (17.1%) مقارنة بالرجال (9.2%).
و تعكس هذه الأرقام حجم التحدي الذي يواجهه خريجو الجامعات في إيجاد فرص عمل مناسبة لمؤهلاتهم. فالعديد منهم يعانون من إحباط متزايد بسبب عدم قدرة سوق العمل على استيعابهم، مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة البطالة وتأثيرها السلبي على الاستقرار الاجتماعي.
تعود فكرة هذه المناشدة، وفقًا لهاشتاغ ( #إدماج_خريجي_الجامعات_مستفيدي_منحة_البطالة)، ( #نطالب_بالتوظيف_المباشر_للجامعيين_المستفدين_من_منحة_البطالة_في_مناصب_دائمة_في_مختلف_القطاعات)،
أطلقه خريجو الجامعات عبر تعليقاتهم على منشورات صفحتنا “ Réveil d’Algérie ” على منصة فايسبوك.
و من خلال هذه الحملة الرقمية، استطاع الخريجون تسليط الضوء على معاناتهم اليومية، مؤكدين أنهم يواجهون أوضاعًا معيشية صعبة نتيجة البطالة ، و معاناتهم اليومية في ظل ندرة فرص العمل وغياب آليات فعّالة للإدماج المهني.
و في هذا السياق، عبّر العديد منهم عن استيائهم من غياب سياسات واضحة تعزز مكانتهم في سوق العمل، مشيرين إلى شعورهم بـ”التهميش” و”الوضعية المهنية غير المستقرة”.
فقد كتبت خريجة في علم الاجتماع: "لقد أنهينا دراستنا الجامعية منذ سنوات، ولم نجد فرصة واحدة للعمل، ولم نستفد حتى من منحة البطالة، كأن شهاداتنا لم تعد لها قيمة."
وفي المقابل، قال خريج آخر في الهندسة الميكانيكية: "نريد فقط العدالة والمساواة. نحن لسنا ضد الدولة، لكننا نطالبها بتجسيد وعودها على أرض الواقع، تعبنا من الانتظار الطويل دون نتيجة".
و رغم التصريحات المتكررة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد مرارًا على دعم الشباب وخريجي الجامعات باعتبارهم “ركيزة أساسية في بناء الجزائر الجديدة”، إلا أن هذه المشكلة لا تزال ليومنا هذا ...
من هنا، يطالب خريجو الجامعات المستفيدون من منحة البطالة بإدماجهم في مناصب عمل دائمة في القطاعين العام والخاص.
ويعتبرون أن منحة البطالة، التي تبلغ حاليًا 15 ألف دينار جزائري شهريًا، ليست سوى حل ظرفي يجب أن يتوَّج بالتوظيف المباشر، خاصةً وأن العديد منهم يمتلكون كفاءات علمية ومهارات تقنية قادرة على إثراء مختلف القطاعات الحيوية في البلاد.
- التوظيف المباشر لحملة الشهادات العليا
يطالب خريجو الماستر والدكتوراه بالتوظيف المباشر دون الحاجة إلى المرور بمسابقات التوظيف التقليدية التي تعتبر فرص النجاح فيها شبه مستحيلة .
- معادلة شهادة الماستر بشهادة الماجستير ورفع التصنيف
يطالبون بمعادلة شهادة الماستر بشهادة الماجستير التي كانت تمنح سابقًا، مما يسهل عليهم الاستفادة من منحة البطالة والتوظيف المباشر، بالإضافة إلى رفع تصنيف شهاداتهم لتتوافق مع متطلبات سوق العمل.
- إلغاء أو تعديل شروط السن في مسابقات التوظيف
يطالبون باستثناء حملة الشهادات العليا من شرط السن الذي يحد من إمكانية مشاركتهم في مسابقات التوظيف.
- فتح باب الحوار مع السلطات المختصة
يطالبون بفتح حوار رسمي مع الجهات الحكومية المعنية لمناقشة حلول عملية لتشغيل حملة الشهادات العليا، بما في ذلك التوظيف المباشر وتسهيل إجراءات الإدماج في سوق العمل.
- تعميم منحة البطالة على كافة حاملي شهادات الماستر
يطالب الخريجون بتعميم منحة البطالة على جميع حملة شهادة الماستر من دون استثناء، لتوفير دعم مادي خلال فترة البحث عن عمل.
تمثل موقف السلطات الجزائرية من مطالب خريجي الجامعات، في عدة نقاط رئيسية تعكس السياسة العامة للدولة في مجال التشغيل :
- التوظيف عبر مسابقات أو عقود قانونية
تؤكد الجهات الرسمية، كوزارة العمل، أن التوظيف في القطاع العام لا يتم إلا من خلال المسابقات أو التعاقدات القانونية، ولا يُسمح بالتوظيف المباشر خارج هذه الأطار،مثلاً في قطاع التربية، يُعتمد على تنظيم مسابقات أو إبرام عقود مؤقتة للتوظيف، باستثناء خريجي المدارس العليا الذين يُوظفون مباشرة نظرًا لطبيعة تكوينهم المتخصص والموجه لهذا القطاع.
- ربط التشغيل بالتنمية الاقتصادية
توضح الحكومة أن خلق مناصب الشغل مرتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تحسين بيئة الاستثمار، دعم المؤسسات الناشئة، وتشجيع التحول الرقمي، و الهدف هو توفير وظائف دائمة وليس توظيفًا عشوائيا مباشرا.
- ملاءمة التعليم مع سوق العمل
السلطات تعترف بوجود فجوة بين ما تقدمه الجامعة وحاجات سوق العمل، لذلك، تسعى لتطوير منظومة التعليم والتكوين لتتوافق مع متطلبات السوق، خاصة من حيث التخصصات المطلوبة.
- رفض التوظيف المباشر دون إطار قانوني
رغم احتجاجات خريجي الدراسات العليا، تصر الجهات الرسمية على أن التوظيف يجب أن يتم وفق القوانين، مع احترام المناصب المفتوحة بالتنسيق مع وزارة المالية، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين.
- الاعتراف بمشكلة بطالة الخريجين
تعترف الحكومة بوجود بطالة مرتفعة بين خريجي الجامعات، خصوصًا حملة الشهادات العليا، لكنها تؤكد أن الحل يكمن في برامج التكوين، منح البطالة، ودعم إنشاء المشاريع، وليس في التوظيف المباشر دون شروط.
في هذا الصدد ، علق الدكتور عادل بوعبد الله، الباحث في الشؤون الاجتماعية، أن الأزمة تتجاوز مشكلة المنح المؤقتة، مؤكداً أن غياب سياسات تشغيلية فعالة هو السبب الجذري.
و إقترح ضرورة تبني إصلاحات هيكلية تشمل إصلاح التعليم، دعم الاستثمار، وتسهيل خلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
تشير الدراسات والوثائق إلى أن مشكلة البطالة في الجزائر تتداخل فيها أسباب خارجية عن إرادة الدولة مع أخرى داخلية ناتجة عن سياسات حكومية غير فعالة:
كما يساهم التوزيع الجغرافي غير المتوازن للسكان في تفاقم البطالة، حيث تؤدي الهجرة من الريف إلى المدن الكبرى، خاصة العاصمة، إلى اكتظاظ سكاني وصعوبة في توفير فرص العمل، في ظل غياب سياسة فعالة لإعادة توزيع السكان وتحفيز الاستثمار المحلي.
و عليه تشير هذه العوامل مجتمعة إلى أن مشكلة البطالة في الجزائر ليست مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل هي أزمة هيكلية تتطلب معالجة شاملة، تدمج فيها إصلاحات التعليم والتكوين، وتطوير الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات، وإعادة هيكلة سوق العمل.
اقترح بضعة خبراء ومتابعون للشأن الاجتماعي، مجموعة من الحلول لمعالجة هذا الوضع ، أهمها :
يمكن الاستفادة من تجارب دولية ناجحة تساعد في وضع سياسات أفضل للتقليل من هذه الظاهرة :
في تونس، طبق برنامج SIVP وهو نظام دعم مالي (منح تشغيل) موجه لخريجي الجامعات بهدف تشجيع توظيفهم في القطاع الخاص، و ساهم البرنامج في خفض معدلات البطالة بين خريجي الجامعات، رغم محدودية تأثيره على جودة الوظائف أو الرواتب.
ويمكن للجزائر اعتماد برنامج مشابه يستهدف الخريجين الأكثر تضررًا، مع تحسين آليات الاستهداف وتقديم حوافز مالية لتشجيع توظيفهم في القطاع الخاص
عززت جامعات بريطانية مثل هيريوت-وات وليستر فرص توظيف خريجيها عبر دمج مهارات سوق العمل في المناهج، وتوفير توجيه مهني وتدريب عملي إلزامي.
ويمكن للجامعات الجزائرية الاستفادة من هذا النموذج بتحديث مناهجها، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتوفير تدريب ميداني لتهيئة الطلاب لسوق العمل.
توجد برامج مثل ANSEJ وANGEM التي تدعم الشباب عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم قروض ميسرة، مع تركيز خاص على تمكين النساء اقتصادياً.
كما أن برنامج "Algeria Entrepreneurship & Employment Program" المدعوم من جهات دولية يدعم إنشاء مشاريع يقودها الشباب ويعزز فرص توظيفهم .
و عليه توسيع نطاق هذه البرامج مع تحسين الدعم الفني والتدريب لريادة الأعمال، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وتوفير حاضنات أعمال متخصصة، إضافة إلى بناء شبكة إرشاد وتوجيه من خبراء محليين ودوليين لدعم الشباب في إطلاق مشاريعهم.
توصي منظمة العمل الدولية بتوفير دعم مؤقت للعاطلين عن العمل لتمكينهم من البحث عن فرص مناسبة، إلى جانب الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، خاصة في القطاعات الرقمية والخضراء.
ويمكن للحكومة الجزائرية تبني برامج دعم مالي مرتبطة بالتوجيه والتدريب المستمر، مع التركيز على القطاعات الواعدة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
و في الأخير يمكننا القول ، أن بطالة خريجي الجامعات في الجزائر تظل تحدياً كبيراً يعكس أبعاداً اجتماعية واقتصادية عميقة...
و معالجتها تتطلب إصلاحًا عميقًا وليس مجرد حلول مؤقتة، ويكمن مفتاح الحل في ربط الجامعة بسوق العمل وتفعيل برامج التوظيف والتدريب، بما يضمن مستقبلاً أفضل لأجيال من الشباب.