السينما، باعتبارها فنا يعكس ثقافة الشعوب وهوياتها، تعد أحد أهم وسائل التعبير في العالم المعاصر. في الجزائر، لعبت السينما دورا بارزا في سرد تاريخ البلاد وتوثيق أحداثها الكبرى، بما في ذلك الثورة الجزائرية، اليوم، حكومة الجزائر عازمة على تعزيز هذا القطاع الثقافي الاستراتيجي، حيث جاء قانون المالية لسنة 2025 ليقدم مجموعة من التدابير المبتكرة التي تهدف إلى دعم وتطوير الصناعة السينماتوغرافية في البلاد.
في إطار هذا التوجه، أقر قانون المالية لسنة 2025 عدة تعديلات وتدابير جبائية تهدف إلى تقديم دعم مادي مستدام لصناعة السينما الجزائرية. أبرز هذه التدابير هو فرض رسم على الأنشطة الإشهارية، الذي يتم تحصيله شهريا على كل شخص يحقق رقم أعمال متصل بالأعمال الإشهارية. تحديد معدل الرسم بنسبة 2% من رقم الأعمال يشير إلى التوجه الحكومي نحو توفير موارد مالية ثابتة لدعم صناعة السينما.
أحد الجوانب المهمة التي يحددها هذا القانون هو تخصيص جزء من عائدات الرسم المحصل لصالح "الصندوق الوطني لتطوير الصناعة السينماتوغرافية وتقنياتها". هذا الصندوق الذي أنشئ خصيصا لتقديم الدعم المادي للصناعة السينمائية، سيحصل على 25% من حصيلة الرسم المفروض على الأنشطة الإشهارية. كما سيستفيد من 25% أخرى موجهة إلى صندوق دعم الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية، وهو ما يظهر التوازن في توزيع الموارد على القطاعات الثقافية المختلفة في الجزائر.
جانب آخر من التعديلات التي جاء بها قانون المالية هو فرض رسوم جديدة على التراخيص والأنشطة المرتبطة بالصناعة السينماتوغرافية. وفقا للمادة 121 من القانون، تم تحديد قيم الرسوم على مختلف التراخيص الخاصة بالصناعة السينمائية. حيث حددت رسوم إصدار رخصة التصوير السينمائي، رخصة نشاط المؤسسة السينمائية، رخصة توزيع الأفلام، رخصة استغلال قاعات السينما، ورخصة استنساخ وتوزيع المنتجات السمعية البصرية بقيمة 20,000 دينار جزائري لكل رخصة. كما تم تحديد رسوم التأشيرات المتعلقة بالأفلام السينمائية بقيمة 10,000 دينار جزائري، إضافة إلى تصاريح أخرى متعلقة بالأنشطة السينمائية مثل استغلال المنصات الرقمية.
إضافة إلى ذلك، يضمن القانون أن الرسوم التي يتم تحصيلها من التراخيص المختلفة ستوجه إلى دعم القطاع السينمائي، بحيث ستخضع هذه الرسوم للتحصيل من قبل قابض الضرائب المختص، مثلما يحدث في مجال حقوق الطابع، مما يعكس التنظيم المالي الدقيق الذي يسعى إلى ضمان الشفافية والإدارة الفعالة للموارد المالية.
القانون لا يقتصر فقط على توفير الأموال للصندوق الوطني، بل يشمل أيضا آلية دقيقة لتنظيم وإدارة هذه الأموال. المادة 222 من قانون المالية لسنة 2025 تتحدث عن فتح حساب تخصيص خاص في الخزينة الجزائرية تحت الرقم 157-302، ويختص هذا الحساب بتلقي العائدات من مختلف الرسوم المرتبطة بالصناعة السينماتوغرافية، مثل رسوم التراخيص وتذاكر السينما. يحدد القانون بشكل دقيق أن جميع الإيرادات التي يتم تحصيلها ستوجه لتغطية النفقات المرتبطة بالإنتاج السينمائي وتوزيعه واستغلاله وتجهيزه، كما سيتم تخصيص مخصصات للمؤسسات تحت الوصاية التي تعمل على دعم هذا القطاع.
ومن أجل ضمان تنفيذ العمليات المالية بطريقة منظمة وشفافة، يشير القانون إلى أن جميع العمليات المالية المتعلقة بالصندوق ستتم تحت رقابة الإدارة المركزية للوزارة المكلفة بالثقافة، مع الالتزام بالإجراءات التنظيمية المتبعة. في الوقت نفسه، يحدد القانون أن الوزير المكلف بالصناعة السينماتوغرافية هو الآمر بالصرف لهذا الحساب، مما يضفي مزيدا من المسؤولية على الجهات المعنية لضمان استخدام الأموال بالشكل الأمثل.
هذه التدابير المالية والتنظيمية التي جاء بها قانون المالية لعام 2025 تعد بمثابة انطلاقة جديدة للقطاع السينمائي في الجزائر، تهدف إلى تعزيز استدامته وتطويره. في هذا السياق، يتوقع أن تسهم هذه المبادرات في تعزيز الإنتاج السينمائي المحلي، وتطوير البنية التحتية الخاصة بالقطاع، مثل تجهيز قاعات السينما ورفع مستوى تقنيات التصوير، مما سيرتقي بالسينما الجزائرية إلى آفاق جديدة.